مقدمة
صندوق النقد الدولي (IMF-International Monetary Fund) هي منظمة عالمية تراقب الجهاز المالي العالمي، عن طريق الرقابة على أسعار العملات وميزان المدفوعات، وعن طريق أعطاء مساعدات مالية.
في هذا البحث سنقف على أهداف الصندوق، ومن ثم الوسائل التي يتخذها الصندوق من أجل تحقيق هذه الأهداف. من أهم هذه الوسائل هي عملية الرقابة على الجهاز المالي في الدول الأعضاء وعلى الصعيد العالمي أيضا. سنقف في هذا البحث، عند الأساس القانوني لأجراء هذه الرقابة، وعلى سبل أجراء هذه الرقابة من قبل الصندوق، ومدى إلزامية نتائج الرقابة على الدول الأعضاء.
خلفية تاريخية
صندوق النقد الدولي جزء من مجموعة منظمات مالية دولية مثل البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. تم إنشاء صندوق النقد الدولي من خلال اتفاقيات بريتون وودز[1] لسنة 1944 مع نهاية الحرب العالمية الثانية[2]. في الأتفاقيات المذكورة، التي اشتركت في ابرامها 45 دولة، تعهدت الولايات المتحدة ان تزود الدول بالذهب مقابل الدولارات، وكان صندوق النقد الدولي هو الجهاذ الرذي وكل للمراقبة على هذه العملية. مع انهيار هذا النظام، في سنة 1973، والأنتقال إلى جهاز عملات عالمي ليس فيه سعر ثابت للعملات، زالت الوظيفة الأساسية التي كان يشغلها صندوق النقد الدولي. إلا أن الصندوق كان في حالة تغير دائمة للتأقلم مع الظروف الجديدة وتم تعديل ميثاقه الأساسي عدة مرات[3]. منذ ذلك الحين، وصندوق النقد الدولي يعمل على منح قروض طولية الأمد، وعليه هي والبنك العالمي يشغلان تقريبا نفس الوظائف.
فيما عدا قلة من الدول[4]، جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، أعضاء في صندوق النقد الدولي، الذي يبلغ أعضاءه اليوم 185 عضوا.
المطلب الأول: أهداف صندوق النقد الدولي
حددت أهداف صندوق النقد الدولي، في المادة الأولي من ميثاق الصندوق[5] والتي جاء فيها ما يلي:
“المادة الأولي: أهداف الصندوق
يستهدف صندوق النقد الدولي:
- تشجيع التعاون الدولي في الميدان النقدي بواسطة هيئة دائمة تهيئ سبل التشاور والتآزر فيما يتعلق بالمشاكل النقدية الدولية.
- تيسير التوسع والنمو المتوازن في التجارة الدولية، وبالتالي الإسهام في تحقيق مستويات مرتفعة من العمالة والدخل الحقيقي والمحافظة عليها، وفي تنمية الموارد الإنتاجية لجميع البلدان الأعضاء، على أن يكون ذلك من الأهداف الأساسية لسياستها الاقتصادية.
- العمل على تحقيق الاستقرار في أسعار الصرف، والمحافظة على ترتيبات صرف منتظمة بين البلدان الأعضاء، وتجنب التخفيض التنافسي في سعر العملات.
- العمل على إقامة نظام مدفوعات متعدد الأطراف فيما يتعلق بالمعاملات الجارية بين البلدان الأعضاء، وعلى إلغاء القيود المفروضة على عمليات الصرف والمعرقلة لنمو التجارة العالمية.
- تدعيم الثقة لدى البلدان الأعضاء، متيحا لها استخدام موارده العامة مؤقتا بضمانات كافية، كي تتمكن من تصحيح الإختلالات في موازين مدفوعاتها دون اللجوء إلى إجراءات مضرة بالرخاء القومي الدولي.
- العمل، وفق الأهداف المذكورة آنفا، على تقصير مدة الاختلال في ميزان مدفوعات البلد العضو والتخفيف من حدته.
ويسترشد الصندوق في تصميم سياساته واتخاذ قراراته، بالأهداف المرسومة في هذه المادة”.
أهم وظيفة يقوم بها الصندوق، هي تشجيع الاستقرار الأقتصادي والمالي في البلدان الأعضاء وعلى مستوى العالم، بأعتباره اساسا للنمو الأقتصادي الذي يعتبر بعتبر عنصرا اساسيا في رفع مستوى المعيشة والحد من الفقر[6]. ويرتبط الأستقرار الأقتصادي والمالي بتجنب وقوع الأزمات التي يمكن أن تؤدي إلى فقدان الوظائف وتخفيض الدخل وخلق معاناة اقتصادية بالغة. غير أن الأستقرار الاقتصادي يرتبط أيضا بتجنب التقلبات الكبيرة في النشاط الأقتصادي، والتضخم المرتفع، والتقلب المفرط في أسعار الصرف والأسواق المالية. فأي من أشكال عدم الاستقرار ممكن أن تؤدي إلى زيادة عدم اليقين وإعاقة النمو الاقتصادي وتخفيض مستويات المعيشة.
لا شك من أن كل اقتصاديات السوق الديناميكية، تنطوي على درجة من عدم الاستقرار. ولكن التحدي الذي يواجه صانعي السياسات، هو الوصول إلى أدنى درجة من عدم الاستقرار دون إضعاف قدرة النظام الاقتصادي على النمو رفع مستويات المعيشة[7]. وقد أثبتت التجربة، أن البلدان التي تتمتع بأعلى معدلات النمو وتوظيف العمالة وأقل مستويات عدم الاستقرار الاقتصادي هي البلدان التي تتبع سياسات اقتصادية سليمة. ولذلك يعتبر الاستقرار الاقتصادي من أهم الأهداف التي يسعى الصندوق إلى تحقيقها[8].
2) المطلب الثاني: الوظائف الاساسية لصندوق النقد الدولي
في سبيل تحقيق استقرار النظام المالي الدولي، ومن أجل تحقيق أهدافه أعلاه، يشغل الصندوق ثلاث وظائف أساسية[9]:
الأولى: الرقابة على السياسات الاقتصادية للدول الأعضاء. عن هذه الوظيفة سنتحدث بأكثر تفصيلا في المطلب القادم.
الثانية: الدعم المالي من خلال برامج التسهيلات لصندوق النقد الدولي. حيث يقرض الصندوق البلدات التي تواجه مشكلات تتعلق بميزان المدفوعات، ويعتبر النمو الاقتصادي والحد من الفقر، هما الهدفين الأساسيين لما يقدمه من قروض للبلدان منخفضة الدخل.
الثالثة: توفير المساعدة الفنية والتدريب. حيث يساعد الصندوق حكومات البلدان الأعضاء في اقامة مؤسسات قوية لصنع السياسات وتطويلا أدوات السياسة الاقتصادية.
من هذه الوظائف الاساسية، تعتبر الوظيفة الرقابية للصندوق (Surveillance Activity) من أهم وظائف الصندوق والتي تحتاج إلى تقوية دائمة حسب رأي مكتب التقييم المستقل التابع لصندوق النقد الدولي[10]. وعليه، فيما يلي سنتمركز في هذه الوظيفة للصندوق، سنقف عند المصدر القانوني الذي يخول الصندوق القيام بهذه الوظيفة حسب ميثاقه، وماهية الفعاليات التي يجريها لتحيق دوره الرقابي المذكور.
3) المطلب الثالث: الوظيفة الرقابية لصندوق النقد الدولي
الوظيفة الرقابية للصندوق تم تحديدها بشكل واضح بعد التعديل الثاني لميثاق الصندوق في سنة 1977، حيث حدد الدور الرقابي للصندوق في القسم الثالث من المادة الرابعة، والتي جاء بها كما يلي:
“المادة الرابعة: التزامات خاصة بشأن أنظمة الصرف
…
القسم الثالث: الرقابة على أنظمة الصرف
- يراقب الصندوق النظام النقدي الدولي للتأكد من فعالية عمله، كما يراقب تقييد كل بلد عضو بالالتزامات المنصوص عليها في القسم الأول من هذه المادة.
- يمارس الصندوق، تبعا لمهامه المحددة في الفقرة (أ) أعلاه، رقابة حازمة على سياسات أسعار الصرف التي تتبعها البلدان الأعضاء، ويعتمد لهذه الغاية مبادئ محددة تسترشد بها جميع البلدان الأعضاء بشأن هذه السياسات. وعلى كل عضو أن يبلغ الصندوق المعلومات اللازمة لأجراء هذه الرقابة، كما عليه أن يتشاور مع الصندوق، بناء على طلب هذا الأخير، بشأن سياسات أسعار الصرف التي يتبعها، ويجب أن تكون المبادئ التي يتبعها الصندوق منسجمة مع الترتيبات التعاونية التي تحافظ البلدان بواسطتها على قيمة عملاتها بالنسبة إلى قيمة عملة أو عملات البلدان الأعضاء الأخرى، وذلك بالأضافة إلى انسجامها مع انظمة صرف أخرى يختارها البلد العضو وفق أهداف الصندوق وأحكام القسم الأول من هذه المادة. وتحترم هذه المبادئ السياسات الداخلية والاجتماعية التي تتبعها البلدان الأعضاء، كما يراعي الصندوق عند تطبيق هذه المبادئ الظروف الخاصة بكل بلد عضو”.
إذا هنالك ثلاثة وظائف رقابية هامة للصندوق:
الأولى: مراقبة فعالية عمل نظام النقد الدولي.
الثانية: مراقبة تقيد كل عضو بالتزامات المحددة من القسم الأول من المادة الرابعة.
الثالثة: الرقابة على سياسة صرف العملات التي تتبعها البلدان الأعضاء.
في واقع الأمر، أهتم صندوق النقد الدولي في الأساس، بدوره الرقابي على سياسات الدول الأعضاء التي، تأثر بالتالي، على نظام النقد الدولي وتحديد صرف العملات[11]. وقد حدد القسم الأول من المادة الرابعة لميثاق الصندوق، الالتزامات الملقاة على عاتق كل من الدول الأعضاء كما يلي:
“القسم الأول: التزامات الأعضاء العامة
يدرك كل بلد عضو أن الهدف الأساسي للنظام النقدي الدولي هو تهيئة أطار يسهل تبادل السلع والخدمات ورؤوس الأموال بين مختلف البلدان ويدعم النمو الاقتصادي السليم، وأن التطوير المستمر للأوضاع الأساسية اللازمة لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي هو هدف رئيسي. وبالتالي، فهو يتعهد بالتعاون مع الصندوق وسائر البلدان الأعضاء لتأمين ترتيبات صرف منتظمة والعمل على إيجاد نظام مستمر لأسعار الصرف. وبصورة خاصة فأن على كل بلد عضو:
- أن تستهدف سياساته الاقتصادية والمالية تشجيع النمو الاقتصادي المنتظم في إطار استقرار معقول للأسعار، على أن يراعى في ذلك ظروفه الخاصة.
- أن يسعى إلى تحقيق الاستقرار بتهيئة أوضاع أساسية سليمة في الميدانين الاقتصادي والمالي، وبإقامة نظام نقدي يمنع حدوث اضطرابات عشوائية.
- أن يتجنب التدخل في أسعار الصرف أو في النظام النقدي الدولي من أجل أعاقة التصحيح الفعال في موازين المدفوعات، أو لكسب ميزة تنافسية غير عادلة تجاه سائر البلدان الأعضاء.
- أن يتبع سياسات صرف تتفق مع الألتزامات المنصوص عليها في هذا القسم”.
وعليه، يتولى صندوق النقد الدولي مسئولية الإشراف على النظام النقدي الدولي، إلى جانب الإشراف على التزام كل بلد عضو بإتباع السياسات المتعلقة بتحقيق النمو المنتظم والاستقرار في الأسعار، والتزامه كذلك في المساهمة في تشجيع ترتيبات الصرف المستقرة وتجنب التلاعب في أسعار العملات. وبنهض الصندوق بهذه المسئولية من خلال متابعة الأحوال الأقتصادية والمالية في مختلف أنحاء العالم، والنظر فيما لو كانت السياسات المتبعة في البلدان الاعضاء مناسبة من الزاويتين الدولية والوطنية[12]. ويعمل الصندوق على تنبيه الدول الأعضاء إلى الأخطار الوشيكة، الأمر الذي يمكن الحكومات من اتخاذ إجراءات وقائية.
4) المطلب الرابع: الرقابة في التطبيق العملي
حيث يضم صندوق النقد الدولي كافة دول العالم، فهو بمثابة منتدى دولي يتيح لأعضائه الفرصة في مراقبة ومناقشة التطورات الجارية في اقتصادياتها وفي الاقتصاد العالمي ككل. وفي هذا الاطار يقوم صندوق النقد الدولي بثلاثة أنواع من الرقابة: الرقابة القطرية، الرقابة الإقليمية، والرقابة العالمية.
1) الرقابة القطرية:
من أجل إداء دوره الرقابي، يجري الصندوق مشاورات سنوية مع كل بلد عضو حول سياساته الاقتصادية، يشار إليها “كمشاورات المادة الرابعة” (“Article IV consultations”) لأن اجراءها منصوص عليه في المادة الرابعة من اتفاقية تأسيس الصندوق. وتتركز المشاورات في سياسة سعر الصرف وسياسة المالية العامة والسياسة النقدية التي يتبعها البلد العضو، وعلى التطورات التي يشهدها ميزان المدفوعات[13] والدين الخارجي، وتأثير سياسات البلد المعني على حساباته الخارجية، والانعكاسات الدولية والإقليمية المترتبة على سياساته، وكذلك على تحديد مكامن الخطر المحتملة[14]. ومع تزايد الأتجاه العالمي نحو تكامل الاسواق المالية، أصبحت رقابة الصندوق أكثر تركيزا على قضايا الحساب الرأسمالي وقضايا القطاعين المالي والمصرفي. وفي سياق تحول البلدان الأعضاء من الاقتصاد المركزي إلى الاقتصاد القائم على السوق الحرة، تزايد أهتمام رقابة الصندوق بالقضايا المؤسسية أيضا، كإستقلال البنوك المركزية وتنظيم القطاع المالي والحوكمة في قطاع الشركات وشفافية السياسات والمساءلة[15].
ولكن كيف تتم مشاورات المادة الرابعة؟
أولاً، يقوم فريق من خبراء الصندوق بزيارة البلد المعني لجمع البيانات الاقتصادية والمالية وعقد مناقشات مع المسؤولين في الحكومة والبنك المركزي حول السياسات الاقتصادية للبلد المعني في سياق آخر التطورات. ويقوم الفريق باستعراض سياسات البلد الاقتصادية الكلية (الخاصة بالمالية العامة والشؤون النقدية وأسعار الصرف)، وتقييم مدى سلامة النظام المالي، وتفحص قضايا السياسات الصناعية والاجتماعية وتلك الخاصة بالعمالة وسلامة الحكم والإدارة والبيئة وغيرها مما يمكن أن يؤثر على سياسات وأداء الاقتصاد الكلي. ويقدم الفريق بعد ذلك تقريراً إلى المجلس التنفيذي عما خلص إليه من نتائج، بعد الحصول على موافقة الإدارة، ويقوم المجلس بمناقشة التحليل الوارد في التقرير ثم تحال آراؤه إلى حكومة البلد المعني في شكل ملخص يصدره رئيس المجلس. وبهذه الطريقة تكتسب آراء المجتمع الدولي والدروس المستخلصة من التجربة الدولية وزناً مؤثراً على سياسات البلد المعني[16].
ومع زيادة شفافية الصندوق وتنوع أنشطته في السنوات الأخيرة، أصبحت الممارسة المتبعة هي نشر ملخصات مناقشات المجلس التنفيذي لعدد كبير من مشاورات المادة الرابعة، إلى جانب ملخصات تحليلات خبراء الصندوق في إطار نشرات معلومات معممة (Public Information Notices). والواقع أنه يتم في حالات كثيرة نشر التقارير الكاملة التي يعدها خبراء الصندوق عن هذه المشاورات، وهي تقارير يمكن الاطلاع عليها في موقع الصندوق على شبكة الإنترنت، شأنها شأن نشرات المعلومات المعممة. كما يعقد المجلس التنفيذي العديد من الاجتماعات غير الرسمية لاستعراض التطورات المالية والاقتصادية في بلدان أعضاء ومناطق مختارة.
ويقوم خبراء الصندوق باللقاء مع رجال دولة من أجل مراجعة السياسات الاقتصادية والاداء الاقتصادي. وتقدم هذه الطواقم تقريرا سريا للأعضاء الأربعة والعشرين الذين يشكلون المجلس التنفيذي للصندوق. وتقديم المشورة بشأن السياسات لأعضائه استناداً إلى الخبرة التي اكتسبها طوال أكثر من خمسين عاماً. ومن أمثلة ذلك ما يلي:
- حث المجلس التنفيذي الحكومة اليابانية في إطار مراجعته السنوية لأداء الاقتصاد الياباني لعام 2000 على تنشيط النمو بالحفاظ على انخفاض أسعار الفائدة، وتشجيع إعادة الهيكلة في الشركات والبنوك، وتعزيز جهود التحرير والمنافسة.
- أثنى الصندوق على السلطات المكسيكية لإدارتها الحصيفة للاقتصاد في عام 2000، وأيد التحرك تدريجياً نحو تنفيذ أسلوب تحديد أهداف التضخم، وأعرب عن قلقه إزاء قصور الرسملة في الجهاز المصرفي.
طواقم الصندوق تحضر أيضا تقارير جزئية سنوية، تقدم ايضا آفاق بخصوص الأقتصاد العالمي (World Economic Outlook), تجري أيضا اتصالات سرية بين طواقم الصندوق وبين السلطات الوطنية للبلدان الأعضاء. مثال ذلك، في عدد ربيع 2001 من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي World Economic Outlook )، أبرز الصندوق المخاطر التي ينطوي عليها حدوث مزيد من الضعف في النمو العالمي والحاجة إلى انتهاج سياسة تقوم على المبادرة النشطة لدعم الطلب وإدخال إصلاحات هيكلية تستهدف تحقيق النمو.
2) الرقابة الإقليمية
يجري الصندوق هذا النوع من الرقابة كعنصر مكمل للمشاورات مع البلدان الأعضاء. وبموجبها يدرس صندوق النقد الدولي السياسات المتبعة طبقاً لاتفاقيات إقليمية. ويشمل ذلك، على سبيل المثال، مناقشات المجلس التنفيذي للتطورات في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو والاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا والجماعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا والاتحاد النقدي لدول شرق الكاريبي[17]. كما يولي الصندوق مزيدا من الاهتمام بالقضايا ذات الأهتمام المشترك لدول بعض الأقاليم (كأمريكا الوسطى والشرق)[18]. وخلال السنوات الماضية، بدأ الصندوق أيضا في نشر النتائج الرئيسية لرقابته الإقليمية بتقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي الذي يصدر مرتين سنويا.
3) الرقابة العالمية:
إضافة إلى الرقابة القطرية والإقليمية، يقوم الصندوق أيضا بمراقبة الأوضاع الاقتصادية العالمية، وتأثير السياسات الاقتصادية التي تتخذها البلدان على الاقتصاد العالمي، والتطورات التي تحدث في أسواق رأس المال الدولية. ويقوم المجلس التنفيذي للصندوق باستعراض الاتجاهات والتطورات الاقتصادية العالمية. وتنشر نتائج المراقبة من هذا النوع مرتين كل عام، في تقارير “آفاق الاقتصاد العالمي” التي يعدها خبراء الصندوق، قبل الاجتماعات نصف السنوية للجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية. وتنشر التقارير بالكامل قبل اجتماعات هذه اللجنة، إلى جانب ملخصات رئيس المجلس التنفيذي لمناقشات المجلس. ومن العناصر الأخرى في عملية الرقابة العالمية التي يقوم بها الصندوق المناقشات السنوية المعتادة التي يعقدها المجلس حول التطورات والآفاق المستقبلية وقضايا السياسات في أسواق رأس المال الدولية، وهي موضوعات يتم نشر تقارير خبراء الصندوق بشأنها أيضاً. كذلك يعقد المجلس التنفيذي مناقشات غير رسمية أكثر تواتراً حول ما يجري في العالم من تطورات اقتصادية ومستجدات في الأسواق[19].
مثال على هذه التقارير، هو تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر في أبريل 2006، الذي رحب بالنمو الكبير والمتواصل الذي شهده الأقتصاد العالمي، مشيرا إلى أن هذا النمو قد فاق التوقعات وأصبح أوسع نطاقا. من جهة أخرى، أشار التقرير أيضا، إلى زيادة الاختلالات وبالتالي زيادة المخاطر، الأمر الذي تسبب نتيجة إلى ارتفاع مستويات الديون، لا سيما في قطاع الأسر المعيشية[20].
وتعتبر الوسائل الرقابية، وبرامج الأقراض، والتدريب الفني، من الوسائل التي استحدثها صندوق النقد الدولي لتشجيع سلامة النظم المالية في البلدان الأعضاء. ويحتوي دليل تقييم القطاع المالي – الذي أصدره صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في سبتمبر 2005- على معلومات تهم السلطات المسئولة عن القطاع المالي بشأن القضايا الرئيسية والممارسات السليمة المتعلقة بتقييم النظم المالية وأتخاذ الاجراءات الملائمة على صعيد السياسات.
ويعمل صندوق النقد الدولي على تطوير العملية الرقابية، عن طريق تعميق معالجة قضايا النظم المالية، للتعرف على مواطن قوة وضعف النظم المالية، الأمر الذي يقلل من احتمال وقع هذه المشاكل مرة أخرى، أو يخفف من حدتها.
إلا أن الصندوق لم يعطى صلاحيات لفرض نصائحه الرقابية على الدول الأعضاء. مع ذلك، توجد للتقارير التي يحضرها أهمية على الصعيد العالمي. كما أن الصندوق يعمل على جعل هذه التقارير أكثر تأثيرا، لإقناع العضو في تنفيذها ولأخذ بالنصح الواردة فيها. ويقوم الصندوق بتطوير تأثيره عن طريق[21]:
- قوة الإقناع، من خلال مشاورات خبراء الصندوق مع سلطات الدولة.
- عن طريق الضغط، من دولة على دولة، في أطار الصندوق.
- عن طريق الإعلان والنشر، أي توجه الصندوق للجمهور مباشرة.
استعمال كل واحدة من الوسائل أعلاه، يؤدي إلى جعل الأمر مطروحا أكثر للنقاش، والتأثير بذلك على السياسات الاقتصادية للدول الأعضاء. للتقارير أهمية كبرى على المستوى القطري والعالمي بسب خبرة الصندوق في هذا المجال، الامر الذي يعطي هذه التقارير مصداقية كبرى، والتالي تأثر على رأي المستثمرين، التي تحاول كل دولة استقطابهما إلى بلدها.
وعادة تشتمل البرامج التي يدعمها صندوق النقد الدولي على أجراءات لتعزيز النظم المالية في البلدان الأعضاء. فإلى جانب تقديم المساعدة المالية، يساعد الصندوق الدول الأعضاء على تشخيص المشاكل التي يتعرض إليها النظام المالي ووضع الاستراتجيات لأصلاح النظام المالي لهذه الدول وإعادة هيكلة البنوك.
كما يسعى الصندوق من خلال المساعدات الفنية التي يقدمها للدول الاعضاء إلى تنفيذ أجراءات محددة تؤدي إلى تقوية بنيتها التحتية المالية. وقد تشتمل هذه المساعدة على تقديم المشورة والتدريب على تطوير الأدراة المالية والنقدية، وتطوير اسواق الصرف ورأس المال.
ملخص
صندوق النقد الدولي هو بمثابة منتدى دولي عالمي، وظيفته مراقبة النظم المالية للدول المختلفة، ومراقبة النظام المالي العالمي بشكل عام. يتوجب على الدول التعاون مع الصندوق في تنفيذ صلاحياته الرقابية وتقديم كل المعلومات اللازمة للصندوق عن النظام المالي في البلد. خبراء الصندوق يقومون بتحليل هذه المعلومات وأعداد تقارير تقدم إلى مجلس الصندوق وتناقش مع الدول المعنية. الهدف من هذه التقارير الفحص فيما لو كانت السياسات الاقتصادية للدول تتلاءم مع هدف حفظ الاستقرار الاقتصادي والنمو. تشتمل هذه التقارير على نصح يقدمها الصندوق لأعضائه، وفي بعض الأحيان إنذارات للعضو نتيجة سياسات معينه قد تضر في الاستقرار الاقتصادي. ليس لهذه التقارير إلزامية تنفيذية على العضو، ولكنها تأثيرها ينبع من أهميتها بسبب الموقع العالمي للمؤسسة التي تصدر هذه التقارير ومصداقيتها وقوتها الاقناعية على المستوى القطري والعالمي وتأثير ذلك على المستثمرين.
مع أهمية الدور الذي يقوم به الصندوق، منظمات مختلفة وجهت النقد للأقراص التي يمنحها صندوق النقد الدولي. هذه الأقراص أعطيت بالذات للدول الفقيرة ليتخلصوا من ديونهم للبنوك والدول الغربية. برنامج المساعدات لصندوق النقد الدولي اشتمل على شروط ومطالب طلب من الدول تنفيذها من أجل الحصول على المساعدات. من هذه المطالب خصخصة الخدمات العامة والشركات الحكومية، تخفيض ميزانية الحكومة للخدمات مثل التعليم والصحة، تخفيض في الدعم لمنتجات الغذاء. في بعض الأحيان لم تؤدي هذه الشروط التي فرضها الصندوق إلى نمو اقتصادي[22]، بل بقي البلد قابعا تحت طائلة الديون. وعليه فهنالك من يطالب بجعل الصندوق أكثر مساءلة عما هو الوضع اليوم[23]. وهنالك من يدعو إلى أجراء إصلاحات في سياسات الصندوق بسبب الأزمات التي يواجهها الاقتصاد العالمي[24].
مع ذلك، لا شك في أن الخبرة الواسعة التي اكتسبها خبراء الصندوق على مدى أكثر من ستين عام في رصد السياسات الاقتصادية للدول، تمنحهم مصداقية عالية في تقديم النصح والمشورة للدول المختلفة أعضاء الصندوق.
غياث ناصر
[1] سميت الأتفاقيات على اسم مدينة Bretton Woods، في ولاية New Hampshire في الولايات المتحدة التي وقعت فيها الآتفاقيات في تاريخ 22/7/1944..
[2] تم انشاء الصندوق رسميا في تاريخ 27/12/1945، ووقعت 29 دولة على اتفاية انشاءه.
[3] تم تعديل الميثاق ثلاثة مرات، في سنة 1968، وفي سنة 1977، وفي سنة 1990. أنظر: اتفاقية صندوق النقد الدولي 22 تموز 1944.
[4] كوريا الشمالية، كوبا، اندورا، موناكو، ليختينستين، تافولا، نارو.
[5] اتفاقية صندوق النقد الدولي 22 تموز 1944.
[6] “الصندوق عن كثب”، ملحق سنوي خاص لنشرة صندوق النقد الدولي (سبتمبر، 2006)، المجلد 35، ص. 16.
[7] ملحق الصندوق عن كثب، ملاحظة 6 أعلاه، ص. 16.
[9] Independent Evaluation Office of the International Monetary Fund, “An Evaluation of the IMF’s Multilateral Surveillance” Evaluation Report published in April 7, 2006. See:
< http://ieo-imf.org/eval/complete/pdf/09012006/chap1.pdf at 10/1/2008>.
[10] Supra note 6, Evaluation Report at 1: “Of these three core functions, surveillance is the most important and has the broadest implications. Given this importance, the International Monetary and Financial Committee (IMFC), the Executive Board, and the Managing Director have called surveillance a critical area in need of strengthening”.
[11] Michael Mussa, “IMF Surveillance” (1997) 87 The American Economic Review, No. 2, at 28.
[12] ملحق الصندوق عن كثب، ملاحظة 6 أعلاه، ص. 17.
[13] “ميزان المدفوعات”: “العلاقات الاقتصادية الدولية هي علاقات تبادل بين الدول. وهذه العلاقات يترتب عليها قيام مبالغ على دول لمصلحة دول أخرى، فهي تنشئ حقوقا ودبونا دولية. فتصدير سلعة من دولة إلى أخرى ينشئ حقا يقابله دين. هذا الحق أو الدين مقوم بالنقود ومستحق الدفع في تاريخ محدد. ولذلك يهم كل دولة سواء كانت دائنة أم مدينة أن تعرف حقوقها وديونها. ولهذا تعني كل دزلة بأعداد بيان بجميع حقوقها وبيان بجميع ديونها الناشئة عن علاقاتها الأقتصادية الدولية حتى تحدد مركزها في ميدان التبادل الدولي. هذا البيان المزدوج هو الذي يطلق عليه اسم ميزان المدفوعات. وعليه، هذا الحق ميزان المدفوعات هو بيان يسجل الحقوق الدولية التي للدولة، والديون الدولية التي عليها، خلال مدة معينة تكون في العادة سنة واحدة”. أنظر: عادل حشيش ومجدي شهاب، أساسيات القتصاد الدولي (منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2003) ص. 159. أنظر أيضا: سامي حاتم، دراسات في الاقتصاد الدولي، (القاهرة، 2003) ص.115.
[14] ملحق الصندوق عن كثب، ملاحظة 6 أعلاه، ص. 17.
[15] ملحق الصندوق عن كثب، ملاحظة 6 أعلاه، ص. 17.
[16] منشورات صندوق النقد الدولي: http://www.imf.org/external/pubs/ft/exrp/what/ara/whata.htm> < تاريخ 10/1/2008.
[17] ملاحظة 15 أعلاه.
[18] ملحق الصندوق عن كثب، ملاحظة 6 أعلاه، ص. 18.
[19] منشورات صندوق النقد الدولي، ملاحظة 15، أعلاه.
[20] ملحق الصندوق عن كثب، ملاحظة 6 أعلاه، ص. 18.
[21] James M. Boughton, Silent Revolution The International Monetary Fund 1979-1989 (Washington, 2001) at 69.
[22] John Willanson, “On Seeking to Improve IMF Conditionality”, (1983) 73(2) The American Economic Review 354.
[23] Nagaire Woods, “Making the IMF and the World Bank More Accountable” (2001) 77(1) International Affairs 83.
[24] Ricardo Caballero, “The Future of the IMF”, (2003) 93(2) The American Economic Review 31.