1.1) المطلب الأول: اتفاقيات أوسلو كمعاهدات بين “دول”
القانون الدولي يعترف بحق الدول وأشخاص القانون الدولي بإبرام المعاهدات الدولية. وقد جرى فعلا العمل الدولي على إبرام المعاهدات المختلفة بين الدول وأشخاص القانون الدولي، لتصبح غالبية قواعد إبرام المعاهدات من القواعد العرفية. ولأهمية عقد المعاهدات الدولية فقد قامت مجموعة كبيرة من الدول بتجميع قواعد المعاهدات، حيث تم إبرام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969[1]. ويعتبر الفقهاء أن قواعد اتفاقية فيينا هي في غالبيتها قواعد عرفية[2]، ومع ذلك فقد كان لتجميعها ووضعها في معاهدة دولية أهمية كبيرة للممارسة القانونية على قانون المعاهدات. الاتفاقية تنظم، من بين ما تنظم، من هم أشخاص القانون الدولي أصحاب الحق في إبرام المعاهدات، كيفية تنفيذ المعاهدات، وكيفية الانتهاء منها.
وتعترف الاتفاقية في الأساس بالمعاهدات التي تعقد بين “الدول”. حيث نصت المادة الأولى من الاتفاقية على ما يلي:
“مادة 1- نطاق تطبيق هذه الاتفاقية
تطبق هذه الاتفاقية على المعاهدات التي تعقد بين الدول”[3].
كما عرفت المادة الثانية من الاتفاقية، “المعاهدة الدولية” على أنها:
“2(1)(أ)- “معاهدة”- تعني اتفاق دولي يعقد بين دولتين أو أكثر كتابة ويخضع للقانون الدولي سواء تم في وثيقة واحدة أو أكثر وأيا كانت التسمية التي تطلق عليه”[4].
إذا أول ما يظهر من اتفاقية فيينا أنها تعترف بالمعاهدات الدولية التي تعقد بين الدول، شرط أن تكون مدونة. وبسبب ما قد يستوحي من النص أعلاه، بعدم نفاذ الاتفاقيات الأخرى، التي لا تكون أطرافها جميعا من “الدول”، سرعان ما أوضحت الاتفاقية هذه المسألة، حيث اعتبرت أن النص أعلاه لا ينتقص من قانونية الاتفاقيات الدولية التي تعقد بين الدول وبين أشخاص القانون الدولي الأخرى. وأكدت الاتفاقية على هذا الأمر، في المادة الثالثة منها كما يلي:
“مادة 3- الاتفاقية الدولية التي في نطاق هذه الاتفاقية
إن عدم سريان هذه الاتفاقية على الاتفاقيات الدولية التي تعقد بين الدول وبين أشخاص القانون الدول الأخرى وعلى الاتفاقات التي تعقد بين هذه الأشخاص الأخرى أو الاتفاقات التي لا تتخذ شكلا مكتوبا لن يؤثر:
أ- على القوة القانونية لتلك الاتفاقيات.
ب- في إمكان تطبيق أي من القواعد التي تتضمنها الاتفاقية الحالية على تلك الاتفاقات باعتبارها من قواعد القانون الدولي بغض النظر عن هذه الاتفاقية
ج- تطبيق الاتفاقية بالنسبة للاتفاقات المعقودة بين الدول وأشخاص القانون الدولي الأخرى”[5].
إذا فقد أوضحت اتفاقية فيينا من خلال المادة 3 أعلاه أمرين أساسيين:
أولا : أنه ليس بعدم انطباق هذه الاتفاقية على الاتفاقيات الأخرى التي لا تكون أطرافها جميعا الدول أن تؤثر على القوة القانونية لتلك الاتفاقيات.
ثانيا: اعترفت بكون جزء من قواعد الاتفاقية من قواعد القانون الدولي، وعليه لا مانع في تطبيق هذه القواعد العرفية على الاتفاقات الأخرى التي لا تكون مقتصرة على الدول.
إلا أننا وقبل أن نتطرق إلى إمكانية رؤية اتفاقيات أوسلو كاتفاقيات من نوع آخر، أي ليست بين “دول”، سنبحث بداية إمكانية اعتبار هذه الاتفاقيات معاهدات دولية بين “دول”.
كما رأينا أعلاه، لكي تعتبر المعاهدة معاهدة دولية من هذا النوع، فيجب أن يكون طرفي المعاهدة دون استثناء من الدول. هل يتوفر هذا الشرط في المعاهدات التي عقدت بين م.ت.ف. وبين إسرائيل؟.
لا شك في أن إسرائيل وهي أحد أطراف اتفاقيات أوسلو، تعتبر دولة حسب معايير القانون الدولي، وقد اعترف لها بهذه الصفة فعلا[6]. وعليه يبقى السؤال بالنسبة ل- م.ت.ف. فهل ثبتت لها صفة الدولة حسب القانون الدولي؟
لكي تثبُت لشخص من أشخاص القانون الدولي صفة الدولة، يجب توفر أربعة شروط اعتمدت في معاهدة مونتفيدو لسنة 1931 بخصوص حقوق وواجبات الدول. وأوردت المادة الأولى من المعاهدة المذكورة، العناصر التي يجب توفرها لقيام الدولة، كما يلي:
“The state as a person of international law should possess the following qualifications: (a) a permanent population; (b) a defined territory; (c) government; and (d) capacity to enter into relations with the other states”[7].
إذًا أول عناصر الدولة, هو العنصر الإنساني – الشعب[8]. العنصر الثاني هو وجود إقليم محدد يقطن عليه الشعب بشكل دائم[9]. العنصر الثالث هو وجود حكومة تمارس السيادة على رعاياها. أما العنصر الرابع فهو أهلية الخوض بعلاقات مع دول أخرى.
هل تحقـّق الحالة الفلسطينية هذه الشروط؟
للإجابة على هذا السؤال يجب التطرق للمراحل المختلفة التي وقعت فيها الاتفاقيات، منذ إعلان المبادئ وحتى تفاهمات شرم الشيخ. إذ أنه على الرغم من عدم وجود خلاف جادّ على انطباق بعض العناصر أعلاه، فيوجد خلاف على العناصر الأخرى. وقد حدثت تغييرات في المراحل المختلفة من الاتفاقيات أثرت على مدى تحقق هذه العناصر، على نحو قد يؤدي إلى اعتبار فلسطين دولة كباقي الدول.
بالنسبة للشرط الأول، أي وجود “الشعب”، فلا شك في تحقق هذا الشرط في الحالة الفلسطينية، إذ يتواجد في فلسطين منذ عصور شعب من أعرق شعوب المنطقة.
حسب رأينا، يتحقق أيضا الشرط الثاني، ألا وهو وجود “الإقليم” الذي يسكنه هذا الشعب. إذ يتواجد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة بما في ذلك القدس الشرقية، ومعروفة هي حدود هذه الأقاليم[10].
ولكن قد يظهر خلاف حول حقيقة تحقق هذا العنصر نتيجة تعريفه، إذ يتحدث الشرط عن “إقليم محدد” (Defined Territory). هنالك ادعاءات أن الإقليم الذي يسكنه الشعب الفلسطيني ليس إقليمًا محددًا، إذ يوجد خلاف على حدود هذا الإقليم مع إسرائيل[11]. إلا أن هذه الادعاءات ليست كافية لدحض الادعاء بتحقق العنصر أعلاه. إذ، أولا، وجود خلاف على حدود الإقليم لا يعني بالضرورة بعدم تحقق العنصر المذكور. فالكثير من الدول قامت مع وجود خلاف على حدود إقليمها. ثانيا، لا تستطيع إسرائيل بالذات ادعاء هذا الادعاء، إذ من غير المعقول تحقق هذا العنصر لإسرائيل بينما لا يتحقق لفلسطين، وذلك لسببين أساسيين:
أولا: منذ قيام دولة إسرائيل وحتى الآن، لم تُحدد حدود الدولة بشكل واضح. على الرغم من ذلك فقد ثبتت لإسرائيل صفة الدولة، وأصبحت عضوًا في الأمم المتحدة.
ثانيا: الخلاف بالنسبة لحدود إسرائيل، هو ذات الخلاف بالنسبة لحدود فلسطين بسبب الاتصال المباشر للإقليمين. وإذا تحددت الحدود، فإنما هي تتحدد للطرفين دون تمييز. وعليه لا يمكن أن يتحقق العنصر لطرف واحد بينما لا يتحقق للطرف الآخر.
بناء على ما ورد أعلاه، فقد تحقق، حسب رأينا، العنصران أعلاه في الحالة الفلسطينية، وبقي التطرق لتحقق العنصرين التاليين.
العنصر الثالث لقيام الدولة هو وجود “حكومة ذات سيطرة على الإقليم”. لأول وهلة، يمكن القول، أن هذا العنصر لم يكن يتحقق عند التوقيع على اتفاقية إعلان المبادئ. ويؤيد هذا الرأي الكاتب [12]Watson .
ولكن مطلب السيطرة لنشوء الدولة قد تم تخفيفه في القانون الدولي. بالذات بعد تطور حق تقرير المصير للشعوب، وعندما يكون للشعب الحق الذي على أساسه يطالب بقيام دولة، ولا يكون جسم منافس يبحث عن إقامة دولة في نفس الإقليم. وكما جاء على لسان الكاتب Shaw:
“The evolution of self-determintation has effected the standard necessary as far as the actual exercise of authority is cocerned, so that it appears a lower level of effectiveness, at least in deconlinisatrion situtioins, has been accepted”[13]
فعلى سبيل المثال، تم الاعتراف بالكونغو ومنحها العضوية في الأمم المتحدة بعد استقلالها عن بلجيكا، ولكن قبل أن تبسط سيطرتها على إقليم الكونغو. أيضا Giunea-Bissauتم الاعتراف بها ومنحها العضوية في الأمم المتحدة بعد الاتفاق مع البرتغال الذي يعترف بها ويقبل بالانسحاب منها، ولكن قبل أن تم الانسحاب الفعلي.
الكاتب Watson يرى أنه يجب فحص تحقق هذا العنصر في المراحل المختلفة من توقيع الاتفاقيات. حيث يرى أنه في بادئ الأمر، أي عند التوقيع على اتفاقية إعلان المبادئ، لم تكن م.ت.ف. تملك أية سيطرة فعلية على الأراضي الفلسطينية، ولذلك لم يتحقق عندها هذا الشرط. وكما جاء على لسانه بهذا الخصوص:
“In any event, even if for the sake of the Argument one accepts the claim that the Palestinina state had a ‘defined territory’ and ‘permanent population’ before the adoption of the decleration of princeples, it is very defficult to argue that the palestinian state satisfied the third reqiurement of statehood: a PLO ‘government’ in control of that territory”[14].
وعليه من الصعب اعتبار اتفاقية إعلان المبادئ كاتفاقية بين دول في هذه المرحلة. أما في المراحل اللاحقة لهذه الاتفاقية، أي عند توقيع اتفاقية غزة وأريحا أولا، التي منحت -م.ت.ف. وفقا لها، السيطرة على قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية، أو عند التوقيع على اتفاقية القاهرة، التي منحت -م.ت.ف السيطرة على أجزاء أخرى من الضفة الغربية، فقد حدث تغيير بالنسبة لتحقق هذا العنصر، عنصر السيطرة على الإقليم. فمثلا عند التوقيع على اتفاقية القاهرة، لم تكن م.ت.ف في المنفى كما كان الوضع سابقا، وإنما كانت تمارس السيطرة على أجزاء من الضفة الغربية وغزة. وتحقق هذا الشرط بدرجة أكبر عند التوقيع على اتفاقية الخليل. إذ كانت م.ت.ف تسيطر في هذه المرحلة على مساحات أوسع بكثير من السابق وفق اتفاقية القاهرة للمرحلة المؤقتة. وعليه يمكن القول بتحقق هذا العنصر في هذه المرحلة، وقد أيّد هذا الرأي الكاتب Quigley [15] وكتاب آخرون[16]. من جهة أخرى لا زالت هنالك آراء معارضة[17].
العنصر الرابع والأخير، هو مقدرة الدولة الناشئة على إقامة العلاقات الخارجية. كما سنرى فيما يلي، فان هذا العنصر يتحقق بشكل كبير في الدولة الفلسطينية. فعلى سبيل المثال، بعد إعلان الاستقلال سنة 1988، اعترفت بفلسطين قرابة المائة دولة. أيضا في سنة 1970، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن للشعب الفلسطيني حق تقرير المصير وأن م.ت.ف هي ممثل الشعب الفلسطيني لتحقيق هذا الحق[18]. وعلى هذا الأساس أعطيت م.ت.ف مكانة عضو مراقب في الأمم المتحدة[19]. تفاعل مجلس الأمن مع فلسطين أيضا، كدولة عندما كان يدعوها للمشاركة في الجلسات التي تُبحث فيها مسائل متعلقة بها[20]. وتجدر الإشارة هنا، أنه حسب الأنظمة الداخلية لمجلس الأمن الدول فقط تستطيع المشاركة في أعماله أو جلساته[21]. بالإضافة إلى ذلك كله فإن م.ت.ف تقيم علاقات خارجية مع دول عديدة، وقد أقامت سفارات فلسطينية في تلك الدول.
أيضا، وكشرط للتوقيع على الاتفاقيات المرحلية، طلبت إسرائيل من م.ت.ف الاعتراف بها كدولة. وقد تم ذلك في كتاب الرئيس عرفات إلى رئيس الحكومة اسحاق رابين. وكما هو معروف، فإن الاعتراف بدولة أخرى هو عمل إضافي الذي يقع ضمن إطار العلاقات الخارجية للدول[22].
إلا أن هنالك آراء تعارض هذا الرأي، وتستعين بذلك بنقاط مختلفة لدعم حجتها. منها أن م.ت.ف لم تحصل على دور عضو في الأمم المتحدة وهو أكبر إثبات لوجود دولة[23]. أيضا يعتمد الكتاب على نصوص اتفاقية المبادئ وباقي الاتفاقيات المرحلية فيما نصت عليه بموضوع العلاقات الخارجية. فقد تم الاتفاق في الاتفاقيات المرحلية أن لا تكون للسلطة الفلسطينية (المجلس) أية علاقات خارجية خلال المرحلة الانتقالية[24]. ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أن هذا القيد لم يقع على م.ت.ف. فلا يوجد في الاتفاقية ما يقيد علاقاتها الخارجية. القيد المذكور يقع على السلطة الفلسطينية وليس على المنظمة، التي استمرت بممارسة العلاقات الخارجية المختلفة كما في السابق.
ولكن هنا طُرح ادعاء آخر، أنه من جهة واحدة، للسلطة الفلسطينية سيطرة معينة على الإقليم، الأمر الذي يحقق وبشكل معين العنصر الثالث للدولة، ولكنها من جهة أخرى تفتقر إلى الحق بإقامة علاقات خارجية حسب الاتفاقيات، وعليه فهي لا تفي بكافة عناصر الدولة[25]. أما بالنسبة لمنظمة التحرير الفلسطينية، فقد كان الادعاء، أنه من جهة واحدة، لديها علاقات خارجية، ولكن من جهة أخرى تفتقر إلى السيادة على الأرض، إذ أن السيادة أو السيطرة على الأرض مُنحت للسلطة الفلسطينية لا للمنظمة كما جاء في الادعاء[26].
حسب رأينا، فإن هذه الادعاءات خاطئة، ومبنية على أسس ضعيفة. إذ أن هذا الادعاء يفرض فصل تام بين جهاز المنظمة وبين السلطة الفلسطينية. وهنالك الكثير من الآراء التي تعتبر السلطة الفلسطينية ذراعًا ل-م.ت.ف. وجسم منبثق عنها. على أية حالة، مما لا شك فيه، أنهما جسمان يكمل احدهما الآخر في المرحلة الانتقالية، ويعمل كل واحد منهما في خدمة الأخر وخدمة الدولة الفلسطينية.
بالإضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة هنا، أنه حسب القانون الدولي، تستطيع الدول منح جسم معين إدارة علاقاتها الخارجية وليس بذلك انتقاص من كونها دولة[27]. وتوجد على ذلك أمثلة في الساحة الدولية. فمثلا، موناكو توصلت لاتفاقية مع فرنسا وفقا لها تدير الأخيرة علاقاتها الخارجية على الرغم من كونها دولة مستقلة[28].
على أية حال، إن مسألة وجود أو عدم وجود دولة فلسطينية، ليست مسألة لإسرائيل أن تبت فيها، وإنما المجتمع الدولي[29]. عليه وحسب الآراء التي عرضناها أعلاه نرى أنه تحققت كافة العناصر لوجود الدولة في فلسطين، على الرغم من القيود المختلفة التي تضعها إسرائيل عليها. فيوجد شعب، ويوجد إقليم وتوجد حكومة وتوجد علاقات خارجية عن طريق المنظمة. وبهذا تكون قد تحققت كافة عناصر الدولة. وقد أيد هذا الرأي الكاتب Quigley معتبرا أن فلسطين هي دولة، وعليه فان اتفاقيات أوسلو هي اتفاقيات بين “دول”. وكما جاء على لسانه بهذا الخصوص:
“Given that Israel is an occupant only, Palestine is sovereign in the Gaza Strip and West Bank. Thus, Palestine is a state, and its agreements with Israel are agreements between two states”[30].
وحيث يمكن التوصل للنتيجة أعلاه، فتعتبر الاتفاقيات التي وقعت، معاهدات بين دول وتنطبق عليها أحكام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات.
1.2) المطلب الثاني: اتفاقيات بين دول ومنظمات دولية أو حركات تحرير
كما ذكرنا سابقا، فان إبرام المعاهدات الدولية لا يقتصر على الدول فقط، وإنما يستطيع أشخاص القانون الدولي الآخرين أيضا إبرام المعاهدات الدولية. إشارة أولية لذلك، جاءت أيضا في المادة الثالثة من اتفاقية فيينا التي أوردناها أعلاه، والتي جاء فيها أن عدم سريان هذه الاتفاقية على الاتفاقيات الدولية التي تعقد بين الدول وبين أشخاص القانون الدولي الأخرى لن يؤثر على القوة القانونية لهذه الاتفاقيات. وعليه حتى لو فرضنا جدلا أن فلسطين ليست دولة حسب القانون الدولي، فهذا لا يعني بالضرورة أن الاتفاقيات التي أبرمت مع إسرائيل لا تعتبر معاهدات دولية ملزمة. فيمكن اعتبار الاتفاقيات معاهدات دولية، أيضا باعتبارها عقدت بين دولة وبين شخص من أشخاص القانون الدولي- منظمة التحرير الفلسطينية.
وهنالك سوابق عديدة على هذا النوع من الاتفاقيات. فمنذ القرن التاسع عشر والدول الأوروبية تعقد اتفاقيات ملزمة مع شعوب مختلفة قبل أن ترقى هذه الشعوب للاستقلال بدولة[31]. ويشكك بعض الفقهاء بقانونية هذه المعاهدات. فيرى الكتاب علي إبراهيم، أنه ليس للحكومات في المنفى الأهلية في إبرام المعاهدات. “وإذا كانت بعض الدول الغربية قد أبرمت اتفاقات مع هذه الحكومات خلال الحرب العالمية الثانية، فإن ذلك يُؤسس على اعتبارات سياسة، نابعة من ظروف الحرب. أما من الناحية القانونية، فلا يمكن اعتباراها معاهدات دولية”[32].
ويخلص إبراهيم إلى القول، “بأن الدول المستقلة ذات السيادة هي وحدها فقط التي تملك أهلية إبرام المعاهدات الدولية. وما عدا ذلك من كيانات مثل الدول التابعة أو المحمية أو الخاضعة للانتداب أو الوصاية، أو الولايات في الدول الاتحادية، كل هذه الكيانات لا أهلية لها في إبرام المعاهدات الدولية”[33].
وعليه أعتبر علي إبراهيم اتفاقيات أوسلو غير قانونية. حيث جاء على لسانه، أن “الاتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية, والعدو اليهودي بتاريخ 13/9/1993 ليس معاهدة دولية وإنما هو محاولة للوصول إلى حل لمشكلة إقامة الدولة الفلسطينية وجلاء اليهود عن الأرض المحتلة”[34].
ولكن هذا الرأي ليس الرأي الراجح في الفقه. فحسب فقهاء آخرين، أحد أشخاص القانون الدولي الذي يستطيع إبرام معاهدات، هو منظمة تعمل على إقامة دولة بالوكالة عن الشعب الذي تمثله[35]. كما أن هذا الرأي ازداد صحة، خصوصا بعدما أقرت بتاريخ 21 مارس 1986، اتفاقية فيينا الثانية لقانون المعاهدات، بين الدول والمنظمات الدولية أو بين المنظمات الدولية وحدها[36]. وبهذا قطعت هذه الاتفاقية أي جدل بخصوص أهلية المنظمات الدولية في عقد المعاهدات الدولية. وقد دعت الجمعية العامة بقرارها 40/76 الدول والمنظمات إلى حضور هذا المؤتمر الذي عقد في فينا في الفترة ما بين 18 فبراير إلى 21 مارس 1986[37]. وأقرت الاتفاقية اعتمادا على المشروع الذي أعدته اللجنة. وجاءت الاتفاقية من 86 مادة. ولم تثر صعوبات كثيرة في المؤتمر، لأن النصوص التي احتوتها الاتفاقية تكاد تكون متشابهة مع تلك المدرجة في اتفاقية فيينا لعام 1969. والمواد أخذت نفس الأرقام من 1-72. ولذلك جاءت الاتفاقية الجديدة وثيقة الصلة بسالفتها[38].
كما وصدر عن معهد القانون الدولي التابع للأمم المتحدة، أن الشعوب تحت الانتداب هي ذاتها تعتبر أشخاصا للقانون الدولي[39]. وعليه تستطيع المنظمات التي قامت لتحقيق مطامح هذه الشعوب أن تنوب عنها. وفعلا، في عهد الأمم المتحدة، منظمات مختلفة تمثل شعوبا، تتمتع بحق تقرير المصير، أصبحت أشخاص في القانون الدولي[40]. وقد عقدت اتفاقيات عديدة لحركات تحرير لأقاليم تحت الاحتلال ودول مختلفة واعتبرت معاهدات دولية ملزمة. مثلا حركة البوليساريو التي أعلنت عن إقامة جمهورية السهارى الديمقراطية العربية (Saharan Arab Democratic Republic–SADR) أعطيت عضوية دولة في الاتحاد الأفريقي، قبل سيطرتها على الإقليم. لاحقا, وفي سنة 1971، توصلت البوليساريو، كحركة تحرير، إلى اتفاق مع موريتانيا، وفقا له تنازلت موريتانيا عن أي ادعاء لحقوق في الأراضي التي طالبت بها حركة البوليساريو[41].
يذكر أن الاتفاقيات مع إسرائيل لم تكن الاتفاقيات الأولى التي تعقدها م.ت.ف. فعلى سبيل المثال، توصلت المنظمة في سنة 1964، إلى اتفاق مع لبنان، ولاحقا في سنة 1970 إلى اتفاق مع الأردن، بخصوص التواجد المسلح للمنظمة داخل هذه الدولة[42]. أبرمت المنظمة أيضا، معاهدات مع منظمات دولية أخرى مثل منظمة التنمية التابعة للأمم المتحدة، الأنروا (UNRWA) واليونسكو[43](UNESCO).
وعليه يمكن اعتبار الاتفاقيات معاهدات دولية ملزمة أيضا باعتبارها بين دولة وبين شخص معترف به في القانون الدولي. ويؤيد الكاتب Watson هذا الرأي بالنسبة لاتفاقيات أوسلو[44]. كما يؤيد اعتبار الاتفاقيات معاهدات دولية أيضا فقهاء آخرين. هكذا مثلا، يؤيد الكاتب الإسرائيلي أيال بينبينيستي (Eyal Benvenisti) هذا الرأي، ويعتبر الاتفاقية معاهدة ملزمة بين أطراف متساوية في القانون الدولي[45].
بناء على ما ذكر أعلاه، أيا يكون الأساس القانوني للاتفاقيات، اتفاقيات بين دول، أو اتفاقيات بين أشخاص القانون الدولي، فان اتفاقيات أوسلو هي معاهدات دولية ملزمة. وكما لخص ذلك الكاتب Quigley:
“The Israel-PLO interim agreements are governed by international law and, hence, are treaties. The PLO holds, in three ways, a status that makes it capable of being a treaty partner”[46].
1.3) المطلب الثالث: الإدعاء بتعارض الاتفاقيات مع قواعد آمره
هنالك ادعاء ثالث، يعتبر الاتفاقيات باطلة بسبب تعارضها مع قواعد آمرة في القانون الدولي، الأمر الذي يؤدي إلى بطلان الاتفاقيات من الأساس (Void). الادعاءات المذكورة جاءت من الطرف الفلسطيني، كما جاءت بالمقابل من الطرف الإسرائيلي. فيما يلي سنرى في هذا المطلب، مدى جدية وصحة هذه الادعاءات.
القواعد الآمرة (Jus Cogens):
القانون الدولي يعترف ببطلان المعاهدة في حال تعارضها مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي. وقد تم إقرار هذا المبدأ أيضا، في اتفاقية فيينا لسنة 1969. حيث جاء في المادة 53 من الاتفاقية المذكورة:
“المادة 53: المعاهدات المتعارضة مع قاعدة آمرة (Gus Cogens) من قواعد القانون الدولي العامة:
تعتبر المعاهدة باطلة بطلانا مطلقا إذا كان وقت إبرامها يتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام. ولأغراض هذه الاتفاقية تعتبر قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام، كل قاعدة تقبلها الجماعة الدولية في مجموعها ويعترف باعتبارها قاعدة لا يجوز الإخلال بها ولا يمكن تعديلها بقاعدة لاحقة من قواعد القانون الدولي العام ذات الصلة”.
وتجدر الإشارة هنا أن البطلان الذي يؤديه تعارض المعاهدة مع قاعدة آمرة هو بطلان مطلق، بخلاف البطلان النسبي[47]. أي يؤدي هذا البطلان إلى اعتبار المعاهدة باطلة من لحظة نشوئها.
والهدف الأساسي من إنشاء القواعد الآمرة وصونها من الإخلال أو الاعتداء، هو المصلحة الدولية العامة. فبواسطة هذه القواعد يرغب المجتمع الدولي حماية المصالح العامة أو قيم أساسية تهم الجماعة الدولية بأسرها[48]. وعليه جعلت من هذه القيم أو المصالح الدولية قواعد آمرة، بحيث لا تكون هذه القيم عرضة للتفاوض أو الانتقاص أو الإخلال، حسب رغبة الأطراف المتعاقدة، وإنما تكون قيم مطلقة يستوجب على أشخاص القانون الدولي احترامها دون استثناء.
ولا تعتبر أي قاعدة من قواعد القانون الدولي قاعدة آمرة. بل لهذه القواعد خاصية معينة، بأنها تتعلق بالقيم الأساسية للمجتمع الدولي والبناء الأساس الذي يقوم على أساسه القانون الدولي أو العلاقات الدولية. ولهذا السبب أوضحت المادة 53 أن القواعد الآمرة هي تلك التي “تقبلها الجماعة الدولية في مجموعها”. وعليه يجب أن يكون توافق دولي عام حول القاعدة بحيث تكون مقبولة على الأسرة الدولية بمجملها لكي ترتقي هذه القاعدة إلى درجة القواعد الآمرة وبهذا تكون فوق القواعد العادية للقانون الدولي[49]. وفور اعتبار قاعدة قانونية معينة، قاعدة آمرة، فلا تستطيع الاتفاقيات التغلب عليها. وكما جاء على لسان الكاتب Watson:
“Once a Jus Cogens norm has been firmly established it can never be overridden by an International agreement – only by the emergence of new Jus Cogens norm”[50].
إلا أن المادة 53 من اتفاقية فيينا، لم تحدد بشكل تفصيلي ما هي القواعد الآمرة. وهنالك خلاف بالنسبة لمجموعة من القواعد الدولية، فيما إذا كانت ترقى إلى درجة القواعد الآمرة، أم إنها قواعد دولية عادية[51]. مع ذلك فقد عدّد الفقه الدولي مجموعة من القواعد التي تعتبر بمثابة قواعد آمرة. منها على سبيل المثال، تحريم الإبادة الجماعية (Prohibition of Genocide)، العبودية (Slavery)، الابرتهايد (Apartheid)، القتل(Murder)، التعذيب (Torture)، وجرائم دولية أخرى. كما وتعتبر بعض القواعد المدرجة في ميثاق الأمم المتحدة كقواعد آمرة. بينما يوجد خلاف على قواعد أخرى، كما سنرى لاحقا. وعليه سنتطرق فيما يلي إلى الادعاءات الفلسطينية والإسرائيلية ببطلان المعاهدة بسبب تعارضها مع قواعد آمرة.
الادعاء الفلسطيني:
يدعي بعض الفلسطينيون بطلان اتفاقيات أوسلو بسبب تعارضها مع حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني[52]. وقد ورد هذا الحق بشكل صريح بالمادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة التي حددت المقاصد التي من أجلها أقيمت المنظمة الدولية[53]. كما ورد بالعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية المدنية والسياسية لسنة 1966[54]. وعرض الفقهاء، أن هذا الحق يعتبر من القواعد الآمرة، وعليه لا يمكن تقييده أو الانتقاص منه[55]. من جهة أخرى هنالك آراء تقول بأنه لا يوجد اتفاق دولي أن هذا الحق يرقى إلى درجة القاعدة الآمرة. حيث ما زالت العديد من الدول لا تحترم هذا الحق على أرض الواقع[56].
في كل حالة، حتى لو أخذنا في الرأي القائل إن حق تقرير المصير هو من القواعد الآمرة، فلا نرى أن اتفاقيات أوسلو تتعارض مع هذا الحق أو تنتقص منه، بل على العكس.
حقيقة، فيما لو كانت اتفاقيات أوسلو هي الاتفاقيات النهائية التي توصلت إليها المنظمة مع إسرائيل، فلا شك في أن بها إساءة كبيرة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. حيث أن هذه الاتفاقيات لا ترقى لأن تحقق حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. إذ احتوت الاتفاقيات على الكثير من القيود على السلطة الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني في المرحلة الانتقالية، ولا تؤمن الاتفاقية للشعب الفلسطيني أن يقرر مصيره بيده، بل أنها تمنحه نوعًا من الحكم الذاتي المنقوص في المرحلة الانتقالية. وعليه فيما لو كانت هذه الاتفاقيات اتفاقيات المرحلة النهائية، فما من شك في أنها تتعارض مع حق تقرير المصير ويمكن أن تعتبر باطلة على هذا الأساس.
إلا أن ما يلغي هذه الادعاءات أن اتفاقيات أوسلو، ليست اتفاقيات المرحلة النهائية، وإنما اتفاقيات مؤقتة، اتفاقيات المرحلة الانتقالية. وقد أبرمت على هذا الأساس، أي أنها اتفاقية مرحلية للفترة الانتقالية، إلى أن يتم إبرام اتفاقية الوضع الدائم. كما أنه يستدل من العديد من بنود الاتفاقية أن المنظمة لم تتنازل عن هذا الحق، وأنه ليس بالاتفاقية أي إجحاف لهذا الحق. هكذا مثلا جاء في المادة 1 من اتفاقية إعلان المبادئ أن الطرفين:
“… يتفقان على أنه حان الوقت لإنهاء عقود من المواجهة والنزاع، والاعتراف بحقوقهما المشروعة، السياسية المتبادلة”.
ويعتبر حق تقرير المصير من أهم “الحقوق المشروعة” للشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من أنه لم يرد صراحة في الاتفاق إلا أنه قد اعترف للشعب الفلسطيني بهذا الحق بالقرارات الدولية المختلفة. وبما أنه لا خلاف، أن هذا الحق من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، فكان يكفي اعتراف إسرائيل “بالحقوق المشروعة” كما ورد بالاتفاقية.
كما أكدت المادة الأولى من اتفاقية المبادئ أن هذه الاتفاقية هي اتفاقية انتقالية “لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات وتؤدي إلى تسوية دائمة تقوم على أساس قراري مجلس الأمن 242 و- 338”. إذاً أيضا في هذه المادة، تم التأكيد أن الاتفاقية مؤقتة وليست دائمة، وعليه لا يمكن اعتبارها تنازلا عن حق تقرير المصير. بالمقابل أكدت المادة أن التسوية النهائية ستكون على أساس القرارات 242 و-338 ويضمن تطبيق هذه القرارات حق تقرير المصير.
من المواد المهمة الأخرى، والتي أكدت أيضا أن الاتفاقية هي مؤقتة وان التوصل إليها لا يجحف أو يخل بالحل الدائم هي المادة الخامسة. ولأهمية هذه المادة نوردها بأكملها:
“المادة 5- الفترة الانتقالية ومفاوضات الوضع الدائم
- تبدأ فترة السنوات الخمس الانتقالية عند الانسحاب من قطاع غزة ومنطقة أريحا.
- سوف تبدأ مفاوضات الوضع الدائم بين حكومة إسرائيل وممثلي الشعب الفلسطيني في أقرب وقت ممكن، ولكن بما لا يتعدى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية.
- من المفهوم أن هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية، بما فيها القدس، اللاجئين، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين، ومسائل أخرى ذات الاهتمام المشترك.
- الاتفاقات التي تم التوصل إليها للمرحلة الانتقالية لا تُجحف أو تُخل بمفاوضات الوضع الدائم”.
إذا أكدت هذه المادة أن الاتفاقية هي مؤقتة للفترة الانتقالية، كما حددت هذه الفترة بخمس سنوات تبدأ من الانسحاب غزة وأريحا، وفي السنة الثالثة يجب البدء بمفاوضات الوضع الدائم. ومنعا للشك أوضحت المادة 5(د) أعلاه، أنه ليس بهذا الاتفاق أي إجحاف لمفاوضات الوضع الدائم، وبهذا احتفظ الفلسطينيون بحقوقهم المشروعة. وعليه، لا نرى أن اتفاقيات أوسلو للمرحلة الانتقالية تخل بحق تقرير المصير أو تنتقص منه. ولذلك من الصعب الادعاء ببطلان الاتفاقية من الأساس بسبب الإخلال بهذا الحق. وقد أيّد هذا الرأي فقهاء آخرون[57].
ولكن من الجدير أن نشير هنا، أن هذا التحليل وهذه النتيجة التي توصلنا إليها أعلاه، مبنية على نصوص الاتفاقية وروح الاتفاقية كونها اتفاقية مرحلة انتقالية لمدة خمس سنوات. وعليه يفرض هذا التحليل كون الاتفاقية اتفاقية مرحلة انتقالية حقيقة. ولكن إذا لم تعد هذه المرحلة مرحلة انتقالية أو مؤقتة على الإطلاق، وإنما هناك رغبة إسرائيلية بتحويلها إلى اتفاقية الوضع الدائم، فان هذا التحول يثير إشكالية بطلان الاتفاقية بسبب إخلالها بحق تقرير المصير من جديد. إذ أن النتيجة بعدم الإخلال بهذا الحق، مبنية على كون الاتفاقية اتفاقية مرحلة انتقالية وعليه إذا بطلت الفرضية بطلت أيضا النتيجة.
وهذه المشكلة التي تواجه الاتفاقية الآن. حيث انتهت مدة الخمس سنوات في سنة 1999، دون التفاوض على اتفاقية الوضع الدائم. ومرت ثماني سنوات أخرى دون إحراز أي تقدم في هذا الموضوع. وبدل أن تستبدل اتفاقيات المرحلة الانتقالية باتفاقية الوضع الدائم بقي الوضع على حاله، الأمر الذي يؤدي إلى إخلال بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. وعليه نرى أن الفلسطينيين يستطيعون اليوم الادعاء لبطلان الاتفاقية أو إبطالها بطريقتين:
الأولى: الادعاء ببطلان الاتفاقية لإخلالها بحق تقرير المصير بسبب تحويلها دي فاكتو (De Facto) إلى اتفاقية ثابتة بدل كونها اتفاقية إنتقالية.
الثانية: الادعاء لإبطال الاتفاقية بسبب الإخلال بها من قبل إسرائيل، حيث لم تلتزم بالجدول الزمني للاتفاقية وباعتبارها اتفاقية مرحلة انتقالية.
الادعاء الإسرائيلي:
من جهة أخرى يدعي الإسرائيليون كالكاتب Beres أيضا لبطلان الاتفاقيات بسبب تعارضها مع قواعد آمرة، وهو مبدأ الوقاية الذاتية (Self – Preservation). حيث أن لكل دولة الحق بحماية نفسها ووجودها. ويستخلص الكتاب هذا الحق من حق الشعب في تقرير مصيره وحق الدولة في الدفاع عن النفس[58]. أيضا كان الادعاء ببطلان الاتفاقيات على أساس مبدأ الضرر لتوماس جفرسون والذي وفقا له قانون الحماية أو الوقاية الذاتية يغلب أي النزاع تجاه الآخرين[59].
حسب بعض الكتاب يمكن اعتبار حق الدفاع عن النفس قاعدة آمرة[60]. ولذلك، لا تستطيع أية دولة التنازل عنه أو الاشتراط عليه. من جهة أخرى يشكك الكاتب Quigley بإعتبار قاعدة الوقاية الذاتية سببا لبطلان الاتفاقيات. في كل حالة، وبغض النظر عن الخلاف القائم، حول كون المبدأ المذكور أعلاه، قاعدة آمرة أم لا، فلا يوجد في اتفاقيات أوسلو ما يتعارض مع هذا المبدأ أو يخل به. بل على العكس من ذلك. إذ كان الادعاء، أن اتفاقيات أوسلو تقوي أمن إسرائيل من خلال تطوير علاقاتها مع الدول العربية المجاورة مثل الأردن، والتي وقعت معها على اتفاقية سلام بعد أوسلو[61]. على أية حال، لا يوجد في الاتفاقيات أي تنازل عن حق الدفاع عن النفس من قبل إسرائيل. كما لم يظهر أي تنازل من قبل إسرائيل عن هذا الحق أيضا في ممارساتها بالضفة الغربية وقطاع غزة بعد أوسلو. إذ تفسر إسرائيل هجماتها المختلفة على الأراضي الفلسطينية المحتلة باستخدام حقها الشرعي في الدفاع عن النفس. ويدعي الكاتب Beres أيضا أن الاتفاقيات تتعارض مع هذا الحق، حيث ثبت أنها مهدمة (Destructive) لإسرائيل من خلال تطبيقها على أرض الواقع. ولكن كما أوضح الكاتب Quigley فان في هذا الادعاء، خلط بين المراحل المختلفة التي تنطبق على مثل هذه الادعاءات[62]. إذ أن ادعاء البطلان المطلق يسبب التعارض مع قواعد آمرة يعالج ويتطرق إلى موعد إبرام الاتفاقية، وليس إلى أية مرحلة لاحقة، مثل مرحلة تطبيق الاتفاقية. فإذا كانت الاتفاقية متعارضة مع قاعدة آمرة فهي باطلة من الأساس دون الانتظار إلى مرحلة التطبيق التي يعتمد عليها Beres لبطلان الاتفاقية. الادعاء المذكور الذي يتعلق بالتطبيق يخرج عن الإطار المذكور للبطلان من الأساس، ويتعلق بحق الإبطال بسبب الإخلال الأمر الذي سنتطرق إليه لاحقا. وعليه لا نرى أن لادعاءات بعض الكتاب الإسرائيليين وزنا قانونيا كافيا لاعتبار الاتفاقيات باطلة من الأساس.
وعليه وبعد أن توصلنا إلى النتيجة أعلاه، إن اتفاقيات أوسلو هي معاهدات دولية ملزمة، يسقط الادعاء ببطلان الاتفاقيات من الأساس. والسؤال الذي يبقى هو: هل يمكن إبطال أو تعليق هذه الاتفاقيات حسب القانون الدولي بناء على تطورات الأحداث بعد توقيع الاتفاقيات؟، الانتفاضة الجديدة؟ والادعاءات بالإخلال بالاتفاقيات من قبل الطرفين؟.
2) المبحث الثاني: إبطال أو تعليق الاتفاقيات من قبل إسرائيل
كما أسلفنا، فإن اتفاقيات أوسلو هي اتفاقيات مرحلية لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات، وخلالها كان يجب التوصل إلى اتفاق الوضع الدائم. حسب الاتفاقية أيضا، كان من المفروض البدء في مفاوضات الوضع الدائم في أقرب وقت ممكن ولكن بما لا يتعدى السنة الثالثة من الفترة الانتقالية[63]. وعليه كان من المفروض البدء في مفاوضات الوضع الدائم في سنة 1996 كأقصى حد. في هذه السنة تم اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، ومنذ هذه النقطة تغير مسار عملية السلام. بعد الاغتيال تقلد منصب رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو، الذي كان قد أعلن سابقا خلال حملته الانتخابية أنه في حال تقلده الحكم، سيعمل على إبطال اتفاقيات أوسلو. على الرغم من أن نتنياهو لم يتخذ هذه الخطوة بشكل علني ولم يعلن إبطال الاتفاقيات بعد انتخابه، إلا أنه عمل على تقويض الاتفاقيات وإعاقتها قدر المستطاع. وعليه قام بإيقاف عمليات إعادة الانتشار المتفق عليها مسبقا. بعد ذلك لم يقبل بإخلاء منطقة الخليل، قبل عقد اتفاق جديد معه وقع في تاريخ 15/1/97 بخصوص هذه المنطقة. وعليه وصلت المرحلة الانتقالية سنة 1997، دون البدء بمفاوضات الوضع الدائم. بل توصل الأطراف لاتفاق مرحلي إضافي (اتفاق الخليل) دون إقرار تقدم بخصوص الوضع الدائم.
وجّه الإسرائيليون اتهامات عديدة إلى -م.ت.ف. والفلسطينيين بالإخلال بالاتفاقيات نتيجة الأحداث والتطورات التي حدثت بعد التوقيع على الاتفاقيات، بالذات بعد العمليات الانتحارية التي نفذت في إسرائيل خلال سنة 1996 وفي السنوات التي تلتها. وبدأ الإسرائيليون بتعليق المفاوضات بعد كل عملية من هذا النوع ولفترات طويلة. اعتبر الإسرائيليون ما يحدث تغييرا جذريًّا بالظروف التي واكبت عملية السلام، تغييرا يمنع الاستمرار في العملية والتغاضي عما يحدث على أرض الواقع. وقد وجه الإسرائيليون ادعاءات عديدة إلى المنظمة بالإخلال بالاتفاقيات منها ما يلي:
- أن المنظمة رفضت تعديل ميثاقها الوطني الذي لم يعترف بحق إسرائيل في الوجود[64].
- المنظمة فشلت في الرد بشكل فعال على منفذي العمليات الانتحارية وامتنعت عن محاكمة أعضاء الحركات الذين يخططون لهذه العمليات – نتيجة لذلك تصاعدت العمليات بشكل كبير في السنوات اللاحقة.
- المنطقة لم تقم بنزع السلاح غير الشرعي في المناطق التي تقع تحت سلطتها.
- المنظمة قامت بتسليح عدد أكبر من رجال الشرطة عما هو مسموح في الاتفاقيات.
- المنظمة قامت بقتل عدد من الأشخاص المشبوهين بالتعاون مع إسرائيل.
- المنظمة قامت ببث دعاية معادية لإسرائيل.
- المنظمة رفضت تسليم مطلوبين للعدالة الإسرائيلية المشتبهين بقتل إسرائيليين.
- تنفيذ أعمال جنائية بحجم كبير في مناطق السلطة منها سرقة السيارات وغيرها من الأعمال الجنائية.
- عدم مقدرة السلطة حماية الأماكن المقدسة لليهود في نابلس وأريحا[65].
10- استعمال الشرطة الفلسطينية كجيش في الصدامات الدموية مع الإسرائيليين واشتراك الشرطة في هذه الصدامات وحملها السلاح في وجه إسرائيل.
بالمقابل كان للفلسطينيين ادعاءات عديدة على إخلال إسرائيل بالاتفاقيات، أهمها عدم التزامها بالمواعيد التي اتفق عليها في اتفاقيات المرحلة الانتقالية. وحيث كان من المفروض انتهاء المرحلة الانتقالية خلال خمس سنوات، أي حتى سنة 1999، عمل الإسرائيليون على التغاضي عن هذه المواعيد وقاموا بالمماطلة في البدء بمفاوضات الوضع الدائم. وعليه مر الوقت دون إحراز أي تقدم في عملية السلام. خلال هذه الفترة جرت انتخابات جديدة في إسرائيل، وتقلد رئاسة الحكومة اهود براك. المذكور قام بإجراء مفاوضات مع الرئيس ياسر عرفات في الولايات المتحدة. في هذه المفاوضات حصلت خلافات جديدة بين الأطراف ولم يتوصلوا إلى حل في هذه المفاوضات. كان من المفروض إجراء جولة جديدة من المفاوضات بعد أن فشلت الجولة الأولى. إلا أن رئيس الحكومة الإسرائيلي قام بعد فشل الجولة المذكورة بحملة تحريضية على الرئيس الراحل ياسر عرفات، حيث ادعى أنه “كشف القناع” عن وجه عرفات وأن الأخير لا يريد السلام، من هنا بدأت حملة إعلامية ضد الرئيس عرفات مفادها أنه ليس شريكا لعملية السلام. أي من كان شريكا في الأمس أصبح عدوًّا اليوم، وتم إيقاف عملية السلام بشكل كامل. بالمقابل استمرت الأعمال الاستفزازية ضد الشعب الفلسطيني. حيث سمح رئيس الوزراء اهود براك لرئيس حزب المعارضة (الليكود) ارئيل شارون بدخول ساحة الحرم القدسي الشريف، الأمر الذي أثار حفيظة وغضب أبناء الشعب الفلسطيني عامة، وأدى إلى اندلاع الصدامات بين الفلسطينيين وبين الجيش الإسرائيلي في تاريخ 28/9/2000. واستمرت هذه الصدامات فترة طويلة وهي ما سميت بالانتفاضة الثانية أو انتفاضة الأقصى. ومنذ ذلك الحين إلى اليوم والصدامات مستمرة، تهدأ تارة وتشتعل تارة أخرى.
وعليه لم يحدث خلال هذه الفترة أي تقدم في عملية السلام. وتستمر إسرائيل بالادعاء بأنه لا توجد في هذه المرحلة لدى الفلسطينيين أي شريك لعملية السلام وقامت بتعليق الاتفاقيات على أرض الواقع، على الرغم من أنها لم تعلن ذلك رسميا. وعليه فكثير من التنسيق والارتباط الذي كان يحدث سابقا تم إيقافه على الإطلاق، حتى في الأمور المدنية البحتة. كما قامت إسرائيل بتعليق عملية السلام، ولم تقبل بإجراء أي مفاوضات لإنهاء المرحلة الانتقالية والتوصل لاتفاقية الوضع الدائم. بل تقوم بالمقابل بأعمال أحادية الجانب في الأراضي الفلسطينية، مثل بناء جدار الفصل العنصري ووضع الحواجز في مناطق مختلفة في الضفة الغربية.
وعليه السؤال الذي سوف نبحثه في هذا المبحث، هو: هل كان لإسرائيل الحق في تعليق الاتفاقيات أو إبطالها بسبب الظروف أو الادعاءات التي وردت أعلاه؟.
2.1) المطلب الأول: نظرية تغيير الظروف (Rebus Sic Stantibus)
إحدى النظريات التي تعتمد عليها الدولة من أجل التنصل من معاهدات دولية وقعت عليها، هي نظرية تغير الظروف. والمقصود بهذه النظرية هو “حدوث تغيير جوهري في الظروف التي اكتنفت عقد معاهدة دولية يؤدي إلى إلغاء المعاهدة”[66]. وقد “تتحول المعاهدة مع تغير ظروف عقدها من معاهدة نافعة إلى معاهدة ضارة، ومن عامل استقرار إلى عامل اضطراب في علاقات أطرفها وذلك لزوال التوازن بين المصالح المتعارضة التي نجمت عن المعاهدة عند عقدها في التوفيق بينها”[67].
إلا أن التعبير “تغير الظروف” هو تعبير واسع، وعليه فقد ينطوي على أخطار ظاهرة, “إذ قد يستعمل ستارا يخفي نية مخالفة مبدأ قدسية المعاهدات، أو وسيلة لإسدال المشروعية القانونية على ما هو في الحقيقة مخالفة دولية. وكثيرا ما تحتج به الدول للخروج عن نطاق الالتزامات التي سبق أن أخذتها على نفسها في وقت ضعف سياسي أو عسكري، متى استردت قوتها أو زال ضعفها وبدا لها أن تنفيذ الالتزامات قد صار ثقيلا أو غير مرغوب فيه”[68].
وعليه حدث نقاش بين فقهاء القانون الدولي ما هو “التغيير بالظروف” المقصود، والذي يجيز للدولة من التنصل من التزاماتها على أساسه. وقد استقر علماء الفقه الدولي أن يطلبوا في هذا التغيير في الظروف:
“أن يكون جوهريا حيويا، وأن تكون الأطراف المتعاقدة لم تأخذه في الاعتبار عند التعاقد، أو أنها لو كانت توقعته عند التعاقد لم تعاقدت أو تم تعاقدها على النحو الذي سجل في المعاهدة”[69].
وحتى لو توصلنا إلى النتيجة بوقوع “تغيير في الظروف”، بشكل يتلاءم مع التعريف الذي أيده غالبية الفقهاء، فقد حدث خلاف بين الفقهاء حول الأثر القانوني الذي يحدثه تغيير الظروف. هل هو انقضاء المعاهدة من تلقاء نفسها؟ أم هو جواز فسخها بالإدارة المنفردة لأحد أطرافها؟، أم وجوب تعديل أحكامها بحيث تتلاءم مع الأوضاع الجديدة؟.
ويمكن إجمال الآراء التي وردت كما يلي :
أولا: تفترض أقلية من العلماء الألمان والنمساويين أن هنالك شرطا ضمنيا تنطوي عليه كل معاهدة، مؤداه أن تصبح المعاهدة غير نافذة المفعول متى تغيرت الظروف التي لابست انعقادها تغييرًا جوهريا. وهذا الشرط الضمني هو بمثابة الشرط الفاسخ الذي يؤدي إلى انقضاء المعاهدة متى أعلن احد طرفيها رغبة في فسخها بناءً على تحقق الشرط. وعلى ذلك، فان لكل طرف من أطراف المعاهدة أن يعلن فسخ المعاهدة بإرادته المنفردة متى تحقق شرط التغيير الجوهري في ظروف التعاقد. ويقع هذا الفسخ صحيحا ونافذا وفق رأي هؤلاء العلماء[70].
ثانيا: حسب المدرسة الايطالية الحديثة التي يتزعمها انزيلوتي، إن شرط بقاء الشيء على حاله يتطلب البحث في مسألتين مختلفتين:
الأولى: هل يؤثر التغيير الجوهري في الظروف في قيام المعاهدات ويؤدي إلى انقضائها؟
الثانية: من له الحق أن يقرر بأن الشروط الضرورية لوقوع الإخلال بشرط بقاء الشيء على حاله، قد استوفيت؟[71]
بالنسبة للسؤال الأول، فحسب النظرية الايطالية، إن مسألة الظروف التي واكبت إبرام المعاهدة، هي مسألة تفسيرية لإرادة أطراف المعاهدة، لأن القانون الدولي يرتب على انعقاد المعاهدة حقوقا والتزامات لأطرافها على أساس توافق إراداتهم، وعليه يكون التزام أطراف المعاهدة في حدود إرادتهم. وعليه حسب المدرسة الايطالية، “إذا لابست ظروف واقعة أو قانونية إبرام معاهدة معينة، وكانت هذه الظروف محل تقدير الأطراف عند التعاقد، وأدت بهم إلى قبول الالتزام بأحكام المعاهدة، فان زوال الظروف بعد ذلك معناه أن أطراف المعاهدة صاروا في غير الحدود التي رسمت نطاقه إرادتهم وقت التعاقد. وعليه يحق القول بأن زوال هذه الظروف معناه انقضاء المعاهدة كما يحق القول بان هذه المعاهدة تنطوي – بإرادة أطرافها- على شرط جوهري هو بقاء المعاهدة ما بقيت الظروف التي دفعت إلى عقدها، وفسخ التعاقد متى زالت هذه لظروف أو تغيرت تغيرا جوهريا”[72].
على الرغم من موقف المدرسة الايطالية، أن تغيير الظروف يؤدي إلى انقضاء المعاهدة، إلا أنها متحفظة بالنسبة للسؤال الثاني الذي يطرح، ألا وهو، من يقرر أنه قد تحقق شرط التغيير الجوهري في الظروف؟. فهذه المدرسة لا تعترف بحق أحد الأطراف أن يقرر بإرادته المنفردة بأنه تحقق شرط تغيير الظروف وعليه يحق له فسخ المعاهدة على هذا الأساس. “ذلك لأن هذه المسألة لا يمكن حلها حلا دوليا إلا باتفاق أطراف المعاهدة, أو بما يقوم مقام هذا الاتفاق عند فقدانه، كالحكم الذي تصوره هيئة تحكيم دولية، أو محكمة العدل الدولية”[73].
وعليه فلا يمكن فسخ الاتفاق على هذا الأساس من قبل طرف واحد. و”إذا اختلف الطرفان في حقيقة هذا الادعاء (أي ادعاء تغيير الظروف) فان إرادة كل طرف من أطراف التعاقد تتساوى مع إرادة الطرف الآخر، لأن الادعاءين في حكم القانون متساويان، ولا يصح تغليب أحدهما على الاخر بوسيلة تحكمية”[74]. وعليه على الأطراف اللجوء إلى وسيلة لحل النزاع في هذه الحالة، إما المفاوضة أو الوساطة أو التحكيم أو القضاء. وعليه لا يجوز اللجوء إلى فسخ المعاهدة قبل اللجوء الى هذه الوسائل لحل النزاع. فقط إذا رفض الطرف الآخر إحالة النزاع إلى التحكيم أو القضاء أو حسمه عن طريق الوسائل السلمية الاخرى، فقط حينها يستطيع الطرف الآخر فسخ المعاهدة بالإرادة المنفردة.[75]
ثالثا: أما الفريق الثالث من العلماء فيختلف الرأي تماما مع المدرستين السابقتين. إذ حسب رأيه فإن انطواء المعاهدة على شرط ضمني مفاده أن المعاهدة قائمة ما بقيت الظروف التي كانت قائمة عند انعقادها، وفسخها متى زالت الظروف أو تغيرت، هي مسألة افتراضية لا يوجد دليل على صحتها[76]. وحسب هذا الفريق يؤدي الاعتراف بهذه النظرية، إلى القضاء على المبدأ الأساسي بالقانون الدولي، هو مبدأ الوفاء بالعهد. وحسب هذا الفريق من العلماء فان تغير الظروف لا يؤدي إلى فسخ المعاهدة، بل يقتصر تغير الظروف على دفع أطراف المعاهدة ودعوتهم إلى تعديل أحكام المعاهدة التي لا تتفق مع الأوضاع الجديدة وإعادة التوازن المفقود إلى نصابه. التعديل في هذه الحالة إما أن يكون بالتراضي, أو ما يقوم مقام التراضي عند انعدامه كالتحكيم أو القضاء.
ويمكن أن نلخص الفروق بين الآراء الثلاثة بالنسبة لهذه النظرية، أن الأول يسوغ فسخ المعاهدة بالإرادة المنفردة لأحد الأطراف في حال التغيير الجوهري بالظروف. أما الرأي الثاني، وهو الرأي الراجح في الفقه، فلا يجيز فسخ المعاهدة إلا بالتراضي، أو ما يقوم مقامه عند فقدانه، كالتحكيم أو القضاء. أما الرأي الثالث، فلا يرى بتغير الظروف سببا لفسخ المعاهدة وإنما لتعديلها بالتراضي أو ما يقوم مقامه.
وقد اعتمدت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات مبدأ تغير بالظروف كسبب لإنهاء المعاهدة ضمن تحقق شروط معينة. حيث جاء في المادة 62 من المعاهدة:
“المادة62- التغيير الجوهري في الظروف
1.لا يجوز الاستناد إلى التغيير الجوهري غير المتوقع في الظروف التي كانت سائدة عند إبرام المعاهدة كسبب لإنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها إلا إذا توافر الشرطان التاليان:
- إذا كان وجود هذه الظروف قد كون أساسا هاما لارتضاء أطراف الالتزام بالمعاهدة.
- وإذا ترتب على التغيير تبديل جذري في نطاق الالتزامات التي يجب أن تنفذ مستقبلا طبقا للمعاهدة.
2. لا يجوز الاستناد إلى التغيير الجوهري في الظروف كسبب لإنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها في الأحوال التالية:
أ) إذا كانت المعاهدة منشأة لحدود.
ب) إذا كان التغيير الجوهري نتيجة إخلال الطرف بالالتزام طبقا للمعاهدة أو التزام دولي لأي طرف آخر في المعاهدة.
3. إذا جاز للطرف أن يستند إلى التغيير الجوهري في الظروف وفقا للفقرات السابقة لإنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها يجوز أيضا الاستناد إلى ذات السبب لإيقاف العمل بالمعاهدة”[77].
أول ما نلاحظه في هذه المادة من اتفاقية فيينا، أنها صعبت إمكانية إبطال المعاهدة نتيجة تغير الظروف. فلا يكفي تغير الظروف التي كانت أساسا لارتضاء الأطراف وإنما يُطلب أيضا أن يؤدي هذا التغير إلى “تبديل جذري في نطاق الالتزامات المفروضة على الطرف المتضرر”. وعليه في حال لم يحدث أي تغيير جوهري على الالتزامات، فلا يكفي تغير الظروف وحده لإبطال المعاهدة. وقد أكدت محكمة العدل الدولية على أهمية الشرط الثاني المذكور، في قضية المضايق الأيسلندية. حيث جاء في قرار المحكمة:
“43. Moreover, in order that a change of circumstances may give rise to a ground for invoking the termination of a treaty it is also necessary that it should have resulted in a radical transformation of the extent of the obligations still to be performed. The change must have increased the burden of the obligations to be executed to the extent of rendering the performance something essentially different from that originally undertaken”.[78]
ورفضت المحكمة في تلك القضية إدعاء أيسلندا بتغير الظروف، إذ أنه لم تفرض عليها التزامات جديدة ولم تتبدل التزاماتها السابقة.
هذه هي القاعدة العامة. ولكن لهذه القاعدة -المشروطة بشرطين-، استثناءات مطلقة تنطبق في حالتين:
الأولى: عندما تكون المعاهدة منشأة لحدود.
الثانية: إذا كان سبب تغير الظروف إخلال أحد الأطراف بالالتزامات وفقا للمعاهدة.
وعليه في هاتين الحالتين، حتى لو تحقق شرطي القاعدة الأساسية أعلاه، فلا يؤثر ذلك على نفاذ المعاهدة على الإطلاق، إذ أن هذه الحالات تعتبر استثناءً مطلقا للقاعدة الأساسية.
الأمر الثالث الذي نلحظه في المادة 62 أعلاه، أنها تساوي من حيث الأسباب، بين إبطال المعاهدات وبين إيقافها العمل بها.
أما بالنسبة لطريقة الإبطال، والخلاف الفقهي الذي أوردناه بين العلماء أعلاه، فقد رجحت اتفاقية فيينا الرأي الثاني للفقهاء. يذكر أن اتفاقية فيينا لم تحدد طريقة مختلفة للإبطال حسب السبب الذي يمنح حق الإبطال، إخلالا كان ذلك بالاتفاقية أو تغيرا في الظروف. فقد خصصت المعاهدة قواعد موحدة لإجراءات إبطال المعاهدة في الحالات المختلفة، في القسم الخامس من المعاهدة، المواد 65-68. والتمعن في هذه المواد يوصلنا إلى النتيجة أن المعاهدة أيدت رأي الفريق الثاني للفقهاء بالنسبة لكيفية الإبطال. فقد رفضت الرأي الأول، والذي وفقا له يستطيع الطرف المتضرر إبطال المعاهدة بالإرادة المنفردة. كما رفضت رأي الفريق الثالث، أن تغيير الظروف لا يمكن أن يعتبر سببا لإبطال المعاهدة، حيث اعترفت به كأحد الأسباب لإبطال المعاهدة. ولكن في طريقة الإبطال أيدت رأي الفريق الثاني، إذ انه حسب المادة 66 من معاهدة فيينا (“الإجراءات الواجبة الاتباع في حالات بطلان المعاهدة أو إنهائها او الانسحاب منها أو ايقاف العمل بها”)، على الطرف الذي يرغب بإنهاء المعاهدة أو إيقافها، أن يبلغ الطرف الآخر بدعوة ويجب أن يوضح في الإبلاغ الإجراء المقترح اتخاذه بالنسبة إلى المعاهدة وأسباب ذلك.
وقد أوضحت المادة 67 من المعاهدة أن إعلان بطلان المعاهدة أو إنهائها أو إيقافها يجب أن يكون خطيا ويرسل إلى الطرف الآخر للمعاهدة، ويجب أن تكون هذه الوثيقة موقعة من قبل رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو وزير الخارجية.
أما في المرحلة التالية بعد إرسال وثيقة من هذا النوع، فيكون على الطرف الذي أرسل الوثيقة أن ينتظر مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر[79] للحصول على رد الطرف الآخر. وفي حال لم يقم الطرف الآخر بالاعتراض على البلاغ الذي وصله خلال المدة المذكورة، فعندها يكون للطرف الأول أن يقوم بالإجراء الذي اقترحه بالطريقة المنصوص عليها في المادة 67.
أما في حال اعتراض الطرف الآخر، فعندها وقع نزاع بين الطرفين بالنسبة لإبطال الاتفاقية أو إيقافها. في هذه الحالة توجه اتفاقية فيينا الأطراف إلى إجراءات التسوية القضائية أو التحكيم والتوفيق[80]. وعليه لا يمكن لأحد الأطراف إلغاء معاهدة دولية بإرادته المنفردة. فأما أن تلغى المعاهدة بالاتفاق، أو أن يتم اللجوء إلى أحد الوسائل السلمية لتسوية النزاعات.
وقد تم التذرع بنظرية تغير الظروف في قضايا دولية مختلفة من أجل التحرر من الالتزامات وفق المعاهدات. هكذا مثلا تذرعت الحكومة الجزائرية بهذه النظرية من أجل تأميم شركات النفط الفرنسية التي تستمد وجودها من المعاهدة الجزائرية- الفرنسية لعام 1985[81]. أما القضية التي عرضت على محكمة العدل الدولية بهذا الخصوص، فقد كانت قضية المضايق الأيسلندية. ولم ترَ محكمة العدل الدولية بعين الرضا استعمال هذا النظرية، وكانت متحفظة جدا من قبول إدعاءات هذا النوع. وقد ورد في الاتفاقية التي وقعتها أيسلندا مع بريطانيا وألمانيا الغربية بندٌ يعطي ولاية جبرية لمحكمة العدل العليا الدولية بخصوص تفسير وتطبيق الاتفاقية المذكورة. وحاولت أيسلندا التحرر من هذه الولاية الجبرية، معتمدة على نظرية تغير الظروف. حيث ادعت أن القانون الدولي اعترف بفترة لاحقة من الاتفاقية بمناطق الصيد، وهذا التغير في الظروف يعطي أيسلندا الحق في التحرر من الولاية الجبرية للمحكمة. إلا أن المحكمة رفضت محاولة أيسلندا التحرر من الاتفاقية اعتمادا على هذه النظرية.[82]
ومن هنا، وبعد أن وقفنا مليا على الجانب النظري لنظرية تغير الظروف، وشروط تحققها، سنحاول فيما يلي، أن نفهم مدى انطباقها على الحالة الإسرائيلية الفلسطينية لتكون ذريعة بيد إسرائيل للتحرر من التزاماتها وفق اتفاقيات أوسلو.
الحالة الإسرائيلية- الفلسطينية:
لقد ادّعى علماء القانون الإسرائيليون، مثل Beres، أن لإسرائيل الحق في إبطال اتفاقيات أوسلو بناءً على نظرية تغير الظروف بعد التوقيع على اتفاقيات أوسلو[83]. واعتمد في تحقق النظرية على الإخلال من قبل الطرف الفلسطيني في الاتفاقية حسب ادعائه[84].
إلا أن خبراء آخرين، مناصرين لإسرائيل، مثل Weiss رفضوا الادعاء المذكور بتحقق نظرية تغير الظروف على هذا الأساس. إذ لا يمكن أن يكون الأساس لتحقق هذه النظرية الإخلال من الجانب الفلسطيني كما ادعى Beres[85]. لأن تغير الظروف يتطلب شيء أكثر من الإخلال. وكما جاء على لسان الكاتب Weiss:
“Under this definition, a “fundamental change of circumstances” probably means something more than mere noncompliance with an agreement. Therefore, PLO breaches of the DOP alone could not themselves support a legal termination”.[86]
أيضا الكاتب Quigley رفض ادعاء Beres، الذي اعتمد على الإخلال كأساس لادعاء تحقق مبدأ تغير الظروف. حيث اعتبر أن تغير الظروف المقصود وفقا لهذا المبدأ هو تغير في الوقائع (Changes in the factual context)، وليس تغيرًا مبنيا على تصرفات أحد الأطراف[87].
نحن أيضا نرى أن النظرية المذكورة لم تتحقق في هذه الحالة وأن إسرائيل لا تستطيع الاعتماد على هذا المبدأ لإبطال الاتفاقيات. إذا لم تتحقق، لا الشروط الضمنية لتفعيل هذه النظرية ولا حتى الشروط الإجرائية. أما بالنسبة للشروط الضمنية، فقد رأينا أعلاه أن ثمة شرطين أساسيين يجب أن يتحققا حسب المادة 62 من معاهدة فيينا من أجل استيفاء شروط هذه النظرية:
الأول: أن التغير في الظروف هو تغير جوهري وقد كان أساسا مهما لارتضاء الأطراف الالتزام بالمعاهدة.
الثاني: ترتب على التغير تبديل جذري في نطاق الالتزامات.
التطور الأساسي الذي تعتمده إسرائيل كأساس لتطبيق هذه النظرية، هو الأعمال العدائية التي وقعت بالذات خلال سنة 1996، من أعمال انتحارية والأعمال العدائية لأسرائيل التي وقعت نتيجة اندلاع الانتفاضة الثانية. إن هذا الادعاء قد يظهر إشكالية لأول وهلة. حيث قد يدعي الإسرائيليون أن القاعدة الأساسية التي وٌقعت على أساسها الاتفاقية، هي تنازل الأطراف عن نهج العنف والوسائل القتالية لحل النزاع، واللجوء إلى الطرق السلمية على أنها الطريق الوحيد لحل النزاع. وقد يعتمد الإسرائيليون في ذلك على ما ورد في المادة الأولى من اتفاقية إعلان المبادئ عن رغبة الأطراف بحل “عقود من المواجهة والنزاع” “والسعي للعيش في ظل تعايش سلمي وبكرامة وبأمن متبادلين”[88].
كما قد يعتمد الإسرائيليون على الرسائل المتبادلة للرئيس عرفات ورئيس الحكومة إسحاق رابين والتي اعتبرت كأساس لتوقيع الاتفاقيات[89]. وكان الرئيس عرفات، قد تعهد باسم منظمة التحرير بشكل صريح خلال كتابه إلى إسحاق رابين، بتسوية النزاع بالطرق السلمية ونبذ جميع أنواع العنف. وكما جاء في المقاطع الأساسية من الرسالة:
“The PLO commits itself to the Middle East peace process, and to a peaceful resolution of the conflict between the two sides and declares that all outstanding issues relating to permanent status will be resolved through negotiations.
The PLO considers that the signing of the Declaration of Principles constitutes a historic event, inaugurating a new epoch of peaceful coexistence, free from violence and all other acts which endanger peace and stability. Accordingly, the PLO renounces the use of terrorism and other acts of violence and will assume responsibility over all PLO elements and personnel in order to assure their compliance, prevent violations and discipline violators”.
وعليه قد يكون الادعاء الإسرائيلي، أن الأساس الذي بنيت على أساسه التسوية والاتفاقيات، كان حل النزاع بالطرق السلمية، وقد تبدل وتغير حل النزاع، إلى استخدام الكفاح المسلح لحل النزاع.
على الرغم من أنه لا يمكن الاستهزاء بإدعاء من هذا النوع، إلا أنه لا يفي بالشروط المطلوبة لتحقق نظرية تغيير الظروف. إذ كما نرى فان هذا الادعاء المذكور أعلاه، مبنيٌ على تصرف أحد أطراف المعاهدة (م.ت.ف). وكما رأينا أعلاه في آراء الفقهاء، لا تتحقق نظرية تغير الظروف، إذا كان التغير المزعوم، مبنيا على تصرفات أحد أطراف المعاهدة. وقد وردت هذه القاعدة أيضا في الفقرة 2(ب) من المادة 62 لاتفاقية فيينا، حيث جاء فيها:
“2. لا يجوز الاستناد إلى التغير الجوهري في الظروف كسبب لانهاء المعاهدة أو الانسحاب منها في الحالات التالية:
أ)….
ب) إذا كان التغيير الجوهري نتيجة إخلال الطرف بالالتزام طبقا للمعاهدة أو بأي التزام دولي آخر في المعاهدة”.
وعليه لا يمكن الاعتماد على عدم التزام المنظمة بتعهداتها حسب الاتفاقية كأساس لمبدأ تغير الظروف. ولذلك، يجب رفض هذا الادعاء مسبقا قبل الخوض في مضمونه.
في كل حالة، إن هذا الادعاء مرفوض أساسا، إذ لا يتحقق فيه الشرط الأساسي الأول، ألا وهو وجود تغير أساسي في الظروف. إذ ما هو الادعاء في هذه الحالة: حدوث أعمال عنف أو أعمال عدائية من قبل الجانب الفلسطيني. أيعتبر ذلك تغير جوهري في الظروف التي واكبت إبرام المعاهدة؟!
حسب رأينا لا يعتبر ذلك تغيرا جوهريا في الظروف. إذ أن علينا من أجل الإجابة عن هذا السؤال، العودة إلى الظروف التي سبقت إبرام اتفاقيات أوسلو ومقارنتها مع الظروف التي لحقت إبرام الاتفاقيات، لكي نتحقق فيما لو حدث حقيقة، أي تغيير جوهري في الظروف.
إجراء مقارنة من هذا النوع، توصلنا إلى النتيجة، أن الادعاء المذكور هو ادعاء باطل وبأنه لم يحدث أي تغير جوهري في الظروف. إذ أن الأعمال العدائية لاسرائيل في الأراضي الفلسطينية حدثت أيضا قبل توقيع اتفاقيات أوسلو، عملا من جانب الشعب الفلسطيني على تحرير نفسه من الاحتلال وتحقيق حقه في تقرير المصير. وأدلّ مثالِِِِ ٍِعلى ذلك، هو الانتفاضة الأولى التي انطلقت في كافة الأراضي الفلسطينية عام 1988 واستمرت سنوات عديدة. حتى قبل التوقيع على اتفاقيات أوسلو، الصدام الإسرائيلي الفلسطيني كان مستمرا، يهدأ تارة وتعلو نيرانه تارة أخرى. وعليه لم تكن الظروف التي واكبت التوقيع على الاتفاقيات ظروف سلمية هادئة، وبعيدة عن الصدامات والنزاعات المسلحة. بل على العكس من ذلك. حيث أن الاتفاقيات، جاءت أصلا لوضع حد لهذه الظروف، أي ظروف النزاع المسلح بين الجانبين. وهذه الظروف الصعبة هي التي دفعت الأطراف في الحقيقة إلى الجلوس لطاولة المفاوضات من أجل وضع حد للنزاع. وعليه ظروف النزاع والصراع هي الظروف الأساسية التي كانت الأساس لإبرام الاتفاقيات. وأما التعهد بالحل السلمي، إنما هو تعبير عن رغبة ايجابية من قبل الأطراف لما يسعون لنيله وتحقيقه مستقبلا من خلال الاتفاقيات. وعليه لو قارنّا الظروف التي كانت قائمة وقت توقع الاتفاقيات مع الظروف القائمة بعد توقيع الاتفاقيات،وإلى يومنا هذا، نجد أنه لم يطرأ أي تغير جوهري بالظروف. قد يدعي البعض أن الأعمال العدائية لأسرائيل التي تلت توقيع الاتفاقيات كانت أصعب بكثير من الأعمال التي سبقت التوقيع. الادعاء المذكور أيضا، لا يفي بشروط نظرية التغير الجوهري. إذ أن الأعمال العدائية كانت قائمة قبل توقيع الاتفاقيات. كما أن التغيير المذكور إنما هو تغير في حدة ووتيرة الأعمال وليس في جوهرها. فالأعمال السابقة كانت أعمال عدائية لأسرائيل والأعمال اللاحقة تقع تحت نفس الإطار. وعليه التغير المذكور حتى ولو فرضنا وجوده، لا يعتبر تغيرا “جوهريا”.
كذلك هو الأمر، بالنسبة للشرط الثاني لتحقق هذا المبدأ، وهو أن يترتب تغيير أو تبديل جذري في التزامات الطرف الآخر. والسؤال الذي يطرح هنا: هل حدث تغيير جذري في التزامات إسرائيل وفق الاتفاقيات, نتيجة للأعمال العدائية المذكورة؟
والإجابة عن هذا السؤال، أيضا سلبية هي الأخرى. إذ أنه لم يكن على إسرائيل خلال المرحلة الانتقالية تقديم أية التزامات إضافية، عما التزمت به في الاتفاقيات. كما أن المنظمة لم تطلب من إسرائيل أية التزامات إضافية خلال الفترة الانتقالية. ما طلبته المنظمة هو الالتزام في الاتفاقيات القائمة والتقدم بالمفاوضات على أساسها. على العكس من ذلك. إذا كان متوقعا أن يحدث تغير جذري في الالتزامات نتيجة الأعمال العدائية لاسرائيل، فكان هذا متوقعا من الجانب الفلسطيني. إذ كان من المتوقع أن تطلب إسرائيل من الجانب الفلسطيني إضافات وتغييرات على التزاماته من أجل الحد من الأعمال العدائية أو التخفيف من وطأتها. وعليه فلا يكلف “التغير المزعوم بالظروف” إسرائيل أية التزامات إضافية. وعليه لم يتحقق الشرط الثاني لنظرية تغير الظروف.
يمكن الادعاء أيضا، أن ادعاء تغير الظروف المذكور يُدحَض أيضا، بناءً على الاستثناء الوارد في المادة 62(2)(أ) من معاهدة فيينا باعتبار المعاهدة منشأة لحدود[90].
وقد أيد الرأي الذي أوردناه أعلاه، بعدم انطباق نظرية تغير الظروف أيضا كتاب آخرون مثل Watson[91]، إذاعتبر هذا الادعاء عار من الصحة، وأنه لم يتحقق أي من الشرطين المطلوبين لإنصاف نظرية تغير الظروف. وكما جاء على لسانه:
“In this case, neither of the two required conditions in article 62 have been met: there has been no fundamental change of circumstances were an ‘essential basis’ of consent of the parties, and the parties obligations have not been ‘radically’ transformed”.[92]
يضاف هنا، كما ذكرنا أعلاه، أن التغيير في الظروف لا يمكن أن يكون أساسه تصرف أحد الأطراف أو إخلاله بالتزاماته. وقد تعرضنا إلى هذا الاستثناء عن القاعدة بالتطرق للجانب الفلسطيني. ولكن في الحقيقة يمكن التعرض لهذا الاستثناء أيضا بناءً على تصرف الجانب الإسرائيلي. حيث يستطيع طرف معين من أطراف المعاهدة دفع الأوضاع إلى التغيير عن طريق تصرفات مختلفة تصدر عنه، مثل الإخلال بالالتزامات، تؤدي إلى تغير الأوضاع. وقد تكون هذه التصرفات مقصودة أيضا لاستفزاز الطرف الآخر ودفعه إلى تصرفات معينة. ويمكن النظر إلى الانتفاضة الثانية في هذا الإطار. إذ على الرغم من أن الانتفاضة المذكورة اندلعت عند دخول رئيس حزب الليكود حينها إلى ساحة المسجد الأقصى ، إلا أن هذا الحادث لم يكن سوى القشة التي قصمت ظهر البعير. حيث كانت التربة مهيأة لاندلاع مثل هذه الانتفاضة بسبب الإحباط العارم الذي شعر به أبناء الشعب الفلسطيني في هذه الفترة. حيث كان من المفروض أن تنتهي مفاوضات الوضع الدائم وتقوم لهم دولة مستقلة حتى عام 1999، أي عام قبل اندلاع الانتفاضة الثانية. على الرغم من مرور الوقت لم يحدث أي تقدم في العملية السلمية وكانت الأوضاع تزداد سوءا من يوم إلى يوم. واستمر الإخلال الإسرائيلي بالاتفاقيات، بما في ذلك عدم تسليم مناطق مختلفة اتفق على تسليمها للسلطة الفلسطينية حسب الاتفاقيات. وعليه من أهم أسباب حالة الإحباط هذه، التي أدت بنهاية الأمر، إلى اندلاع الانتفاضة الثانية، كان عدم التزام إسرائيل بالاتفاقيات والمواعيد التي حددت بها.
وعليه، حتى لو قبلنا جدلا، بأنه قد حدث تغير بالظروف نتيجة اندلاع الانتفاضة الثانية، فلا تستطيع إسرائيل الاعتماد عليه. إذ أنها لا تستطيع أن تخلق وتسبب تغيُر الظروف من جهة، ومن جهة أخرى أن تطلب الاعتماد على التغيير الذي حدث نتيجة أعمالها. إذ أن ذلك يتناقض مع مبدأ حسن النية في تطبيق المعاهدات[93].
وكما لا يتحقق مبدأ تغير الظروف في هذه القضية من الناحية الضمنية، كأساس لإبطال اتفاقيات أوسلو أو وقف العمل وفقا لها، فانه لم يتحقق من الناحية الإجرائية. حيث كان على إسرائيل فيما لو كانت تدعي تحقق هذا المبدأ كسبب لإبطال الاتفاقيات أو إيقاف العمل بها، أن تتبع الإجراءات اللازمة وفق المواد 65-68 من اتفاقية فيينا. ولكن إسرائيل لم تفعل ذلك حتى الآن، ولم ترسل في لمنظمة التحرير في أية مرحلة وثيقة مكتوبة تعلن فيها إبطال الاتفاقيات أو وقف العمل بها.
وعلى الرغم من ذلك، فهي تقوم على أرض الواقع بتعليق الاتفاقيات وإيقاف العمل وفقا لها منذ مدة طويلة، دون اتخاذ الإجراءات الواجب اتباعها وفق اتفاقية فيينا. وفي هذا التصرف مخالفة واضحة لأحكام اتفاقية فيينا، ومخالفة لالتزام دولي تنعقد عليه المسؤولية الدولية.
2.2) المطلب الثاني: إدعاء الإخلال بالاتفاقيات كسبب لإبطالها أو تعليقها
كما ذكرنا أعلاه في بداية هذا المبحث يدعي الإسرائيليون لوقوع إخلالات عديدة بالاتفاقيات من قبل المنظمة، كسبب لإبطال الاتفاقيات. وقد أوردنا في بداية هذا المبحث الاخلالات الأساسية التي يدعيها الإسرائيليون من قبل الجانب الفلسطيني.
وعليه سنبحث في هذا المطلب، الادعاءات للإخلال بالاتفاقيات كسبب لإبطال المعاهدات. يذكر أن للفلسطينيين أيضا ادعاءات عديدة للإخلال بالاتفاقيات من قبل إسرائيل. وتترتب على هذه الإخلالات حقوق مختلفة للفلسطينيين لإبطال المعاهدة أو التحرر منها. إلا أن هذا الموضوع يخرج عن إطار بحثنا هذا، الذي نرتكز فيه بمسألة إبطال المعاهدات وإيقاف العمل بها من قبل إسرائيل.
القانون الدولي يعترف بحق الدولة في إبطال معاهدة دولية وإيقاف العمل بها، كليا أو جزئيا، في حال وقع إخلال جوهري فيها[94]. ويعتبر الإخلال الجوهري (بالانجليزية material وبالفرنسية substantielle) الإخلال بشرط من شروط المعاهدة يعتبر ضروريا لتنفيذها[95]. ولا توجد حاجة بأن يكون الإخلال، إخلالا بمادة أساسية في المعاهدة (Fundamental ) ويصيب الهدف الرئيسي للمعاهدة، وإنما يكفي لأن يكون الإخلال جوهريا[96]. الإخلال الجوهري بالمعاهدة يعطي الطرف المتضرر الحق بإبطال المعاهدة[97]. وقد اعتمدت اتفاقية فيينا في المادة 60 منها الإخلال كسبب لإبطال االمعاهدة. حيث جاء في الفقرة الأولى منها:
“المادة 60: انقضاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها نتيجة الإخلال به
1- الإخلال الجوهري بالمعاهدة الثنائية من قبل أحد أطرافها يخول الطرف الآخر الاحتجاج به كسبب لانقضائها أو لإيقاف العمل بها كلياً أو جزئياً”.
وقد عرفت الاتفاقية الإخلال الجوهري على أنه يشتمل على:
“3- لأغراض هذه المادة يشتمل الإخلال الجوهري على ما يلي:
(أ) التنصل من المعاهدة بما لا تجيزه هذه الاتفاقية، أو
(ب) مخالفة نص أساسي لتحقيق موضوع المعاهدة والغرض منها”.
كما رأينا فإن الإخلال يخوّل الطرف المتضرر باستخدام حقه في إبطال المعاهدة أو إيقاف العمل بها. وعليه فإن الإخلال بالمعاهدة “لا يؤدي تلقائيا إلى انقضاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها. وحتى ينتج الإخلال مثل هذا الأثر فلا بد من قبول الطرف المخل بذلك. اما في حالة عدم قبوله فيحل النزاع بين الطرفين بالطرق المعروفة لتسوية المنازعات الدولية”[98] .وعليه لا يجوز التنصّل من الالتزامات المتولدة عن المعاهدات بالإرادة المنفردة للدول أطرافها. ويعتبر هذا التصرف، تصرفا غير مشروعا، ويتعين عليه انعقاد المسؤولية الدولية[99]. وقد أخذ القضاء الدولي بهذا الموقف في قضية تحويل مياه نهر الموز[100]، حيث زعمت بلجيكا ان هولندا انتهكت بنود اتفاقية بلجيكية هولندية مشركة وقعت في عام 1863، وقامت بلجيكا بإيقاف العمل بها، إلا أن محكمة العدل الدولية الدائمة لم تعتبر هذا الانتهاك سببا لإيقاف المعاهدة بشكل أحادي الجانب[101].
إلا أن هنالك عدة أمثلة في الممارسة الدولية، على تذرع الدول عن المعاهدات أو إيقاف العمل بها بالإرادة المنفردة ودون الرجوع للطرف الآخر. هكذا على سبيل المثال، أوقفت ألمانيا في عهد هتلر العمل معاهدة لوكارفو، في 7 اذار عام 1936، كرد من قبلها على ما سمّته انتهاك فرنسا للمعاهدة المذكورة عند توقيعها معاهدة صداقة وتحالف مع الاتحاد السوفييتي في عام 1935[102]. كذلك قامت إيران في 16 ابريل عام 1969 بنقض اتفاقيات الحدود التي أبرمت في عام 1937 مع العراق، والبروتوكول المتعلق بشط العرب، بحجة أن العراق لم يحترم مبدأ المساواة في حقوق الملاحة النهرية والذي يشكل عنصرا أساسيا في هاتين المعاهدتين[103].
واعتبر الفقيه Fitzmaurice أنه اذا قام أحد أطراف المعاهدة “بانتهاك واجب أساسي ينبع من المعاهدة بشكل جوهري يمكن للطرف الضحية، إذا كانت المعاهدة ثنائية، أن ينهي العمل بها”[104]. ولكن كما رأينا سابقا فان المعاهدة لا تفرق بالنسبة لإجراءات الإبطال، بين الإبطال الناتج عن عيب في المعاهدة أو تغير الظروف، وبين الإبطال الناتج عن الإخلال بشروط المعاهدة. رأينا أن قواعد المعاهدة موحدة بهذا الموضوع. وحسب هذه القواعد لا يمكن إبطال المعاهدة بالإرادة المنفردة، وإنما يجب اتباع إجراءات مختلفة. منها التوجه إلى الطرف الآخر خطيا وانتظار فترة ثلاثة أشهر لسماع رده، وفي حال اعترض على الإبطال يجب حل النزاع بطرق سلمية.
الادعاءات الإسرائيلية بالإخلال كسبب لإبطال الاتفاقيات:
يعتمد الكتاب الإسرائيليون ومؤيدوهم على الإخلالات الفلسطينية التي يدعون ارتكابها كما أوردناها أعلاه. حسب هؤلاء الكتاب، فقد أخلت المنظمة بأحكام مختلفة للاتفاقيات، بما في ذلك، الفشل في تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني، الفشل في اتخاذ خطوات لمنع العنف ضد الإسرائيليين، تسليح جهات غير مخولة، الفشل في منع حيازة السلاح غير المرخص، الفشل في منع الدعاية العدائية ضد إسرائيل وأيضا وضع تشريعات أحادية الجانب في المناطق الفلسطينية[105].
حسب رأي الكاتب Weiss أن هذه التصرفات تعتبر إخلالات جوهرية بالاتفاقية حيث أنها “شروط أساسية لتنفيذ الهدف أو المقصد من لاتفاقيات”[106]. حسب رأي الكاتب، وفقا للاتفاقيات وما سبقها من مراسلات، فقد كانت نية الأطراف على الأقل، تطوير علاقات سلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين[107]. وعليه إخلال الطرف الفلسطيني بهذه المبادئ، يعطي، حسب رأيه، الطرف الإسرائيلي الحق في إلغاء الاتفاقيات حسب معاهدة فيينا. عوضا عن ذلك فحسب رأي الكاتب تستطيع إسرائيل تعليق (to suspend) الاتفاقية أو التزاماتها وفقا لها، أو اتخاذ إجراءات مضادة ضد الخروقات الفلسطينية[108]. وعلى ما يبدو فان الطريقة الأخيرة هي الطريقة المفضلة على الاسرائيليين، حيث صرح Singer Joel وهو من الذين شاركوا في صياغة اتفاقيات أوسلو، أن إسرائيل تستطيع الرد على الخروقات من قبل الفلسطينيين بخرق من قبلها للاتفاقية[109].
ولبحث صحة الادعاءات أعلاه، أن التصرفات الفلسطينية تقيم أساسا متينا لاتخاذ إسرائيل إجراءات قانونية على أساس خرق الاتفاقيات، لإبطالها أو تعليقها، لا بد أن نتطرق لمسألتين أساسيتين :
الأولى: ما هي الالتزامات الفلسطينية التي يدعي الإسرائيليون خرقها، وما هو نطاق هذه الالتزامات؟
الثانية: هل حدث فعلا خرق جوهري لهذه الالتزامات؟
ولعل أهم الادعاءات التي يدعيها الإسرائيليون بهذا الخصوص كخرق للاتفاقيات، هو الأعمال العدائية الصادرة من الأراضي الفلسطينية، بدءا بالأعمال الانتحارية، وإنتهاءً بالانتفاضة الثانية. ناهيك عن صدامات متقطعة بين الطرفين، من حين إلى آخر.
ولكن لبحث هذا الأمر، لا بد من التطرق إلى السؤال, من قبل من تصدر هذه الأعمال العدائية أو الأعمال العسكرية؟ هل تصدر عن منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية؟، أو أنها تصدر عن جهات اخرى؟
وكل من يراقب المشهد الفلسطيني يعلم أن الغالبية العظمى للأعمال الانتحارية والأعمال العسكرية الإضافية صدرت من حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، حيث قامت الحركتان بعمليات انتحارية واسعة في إسرائيل في مراحل مختلفة وبالذات بعد توقيع المنظمة على اتفاقيات أوسلو. الا أن هاتين الحركتين، على الرغم من كونهن جزء من حركات المقاومة الفلسطينية، ليستا جزءا من منظمة التحرير الفلسطينية، ولم تنضم بشكل رسمي إلى المنظمة حتى الآن. وعليه فان هذه الحركات لم توقع على أية اتفاقية مع اسرائيل بشأن الحل السلمي للنزاع. ولم تلتزم بوقف العمليات العسكرية وعمليات العنف الأخرى في أية مرحلة.
من جهة أخرى فقد اعترف بالمنظمة دوليا كممثل للشعب الفلسطيني ولا جدال قانوني على مكانتها المذكورة. وعليه يكون الادعاء المقابل أن ما وقعته المنظمة ملزمٌ لكافة أبناء الشعب الفلسطيني وأطرافه. ولكن هذه المسألة غير متفق عليها، في الجانب الفلسطيني وكذلك في الجانب الإسرائيلي.
أما في الجانب الفلسطيني فقد أعلنت الحركات الأخرى صراحة بعد التوقيع على اتفاقيات أوسلو، أن هذه الاتفاقيات لا تلزمها ولن تلتزم بها.
أما بالنسبة للجانب الإسرائيلي، فقد ذهب بعض الاسرائيليين إلى ادعاء تغير الظروف أيضا في هذا الإطار، حين كان الادعاء أنه تبين للجانب الاسرائيلي بعد التوقيع على الاتفاقيات أن المنظمة لا تمثل فعلا جميع أطراف الشعب الفلسطيني وعليه فإن في ذلك تغييرا جوهريا في الظروف يخوّل الإسرائيليين بإبطال الاتفاقيات[110]. ولكن هذا الادعاء رفض من قبل فقهاء آخرين، حيث ليس فيه أي جديد عن الظروف التي سادت عند التوقيع على الاتفاقيات[111].
على أية حال فقد كان الإسرائيليون يعلمون أن المنظمة لا تمثل في الحقيقة جميع الأحزاب على الساحة الفلسطينية[112]. وعليه، من حيث المبدأ لا يمكن تحميل المنظمة المسؤولية عن الأعمال التي يقوم بها أفراد عاديين أو حركات أخرى لا يخضعون لسيطرتها. وينبع ذلك أيضا، مما آل إليه القانون الدولي بخصوص المسؤولية الدولية[113]. والقاعدة حسب القانون الدولي “أن ما يصدر عن الأفراد العاديين من أفعال وتصرفات لا تسأل عنه الدولة التي ينتسبون إليها، أو يقيمون فوق إقليمها”[114]. وفعلا، غالبية الإعمال الانتحارية نفذت من قبل أفراد عاديين، من حركتي حماس والجهاد الاسلامي، ولم يثبت أنهم يعملون لحساب الدولة. إلا أن المشكلة تكمن في بعض أعمال الحركات الأخرى التابعة لحركة فتح كالتنظيم وغيرها[115].
بالإضافة إلى ذلك، فان هنالك استثناءً على القاعدة الأساسية التي أوردناها أعلاه بعدم تحمل مسؤولية أعمال الأفراد العاديين. ويحل الاستثناء وتنعقد المسؤولية الدولية عن أعمال الأفراد “إذا لم تبذل الدولة العناية الواجبة لمنع هذه الأعمال. ويتبلور هذا الاستثناء بوجه خاص في أعمال العنف التي يقوم بها الأفراد العاديون وتنطوي على مساس بأرواح الأجانب وممتلكاتهم”[116].
وتنطبق هذه القواعد على أعمال الثوار والمتمردين أيضا. “فمن المتفق عليه في الفقه والقضاء أن الدولة لا تسأل عن أفعال الثوار ما لم يثبت من قبلها تقصير في اتخاذ الحيطة اللازمة لمنع الثورة أو لقمعها”[117]. وقد أكدت على هذا المبدأ الفقرة الأولى من مشروع لجنة القانون الدولي بشأن مسؤولية الدول والتي جاء بها:
“لا يعتبر فعلا صادرا عن الدولة بمقتضى القانون الدولي تصرف عضو من أعضاء حركة تمردية قائمة في إقليم هذه الدولة أو في إقليم آخر خاضع لولايتها”[118].
وعليه، لا يمكن، من حيث المبدأ، تحميل المنظمة أو السلطة الفلسطينية المسؤولية عن الأعمال التي تقوم بها الحركات الأخرى في الضفة الغربية كحركتي حماس والجهاد الاسلامي أو أفراد هذه الحركات أو أفراد عاديين آخرين. أما بالنسبة للاستثناء الوارد على القاعدة، وهو وجود تقصير من قبل الدولة في اتخاذ الحيطة اللازمة لمنع الثورة أو أعمال العنق، فلا نرى أنه ينطبق على هذه الحالة، وذلك لسببين أساسيين:
الأول: أن السلطة الفلسطينية، وكما سنرى لاحقا، قد قامت في مراحل مختلفة بأعمال عديدة من أجل وقف الأعمال العدائية لاسرائيل، ونجحت في إفشال عمليات انتحارية عديدة.
الثاني: هو انه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن السلطة الفلسطينية هي جسم جديد، أو دولة حديثة ما زالت في مراحل التطور والنشوء، وعليه لا يمكن أن نتوقع منها ما يمكن توقعه من دولة قديمة قائمة. إذ ليس لديها في الوقت الراهن الإمكانيات أو المصادر التي تمكنها القيام بواجبها على أكمل وجه. وعليه، عند بحث مدى انصياعها للمعاهدات، يجب الأخذ بعين الاعتبار مدى قدرتها وإمكانيتها الحقيقة كدولة حديثة النشوء.
وعلى الرغم من صعوبة تحميل السلطة المسؤولية الدولية عن الأعمال العدائية التي ذكرت بناءً على القواعد العادية للمسؤولية الدولية، فيمكن أن تنعقد المسؤولية الدولية بسبب امتناعها عن اتخاذ إجراءات معينة بشكل مخالف لالتزام دولي سبق وإن أخذته على عاتقها[119]. وعليه، حقيقة انعقاد المسؤولية الدولية على المنظمة، أو إخلالها بالتزاماتها كسبب لإبطال الاتفاقية، يتوقف على مدى الالتزامات الأمنية التي أخذتها المنظمة على عاتقها في اتفاقيات أوسلو بهذا الخصوص. وعليه، إذا لم تأخذ المنظمة على عاتقها أية التزامات أمنية في اتفاقيات أوسلو، تجاه العمال العدائية المذكورة، فلا تنعقد أية مسؤولية ولا يوجد أي إخلال بالالتزامات من قبلها. أما إذا كانت المنظمة قد أخذت على عاتقها التزامات بهذه الشأن، فيبقى السؤال الثاني، مدى احترام المنظمة لهذه الالتزامات أو مدى إخلاها بها، وهل وقع أخلال جوهري بتطبيق الالتزامات؟.
اتفاقية إعلان المبادئ
الاتفاقية الأولى التي وقع عليها الطرفان، كانت اتفاقية إعلان المبادئ، التي شكلت ولا زالت تشكل الأساس للاتفاقيات المختلفة. اتفاقية إعلان المبادئ لم تتطرق للمسألة الأمنية إلا في مادة واحدة. ولأهميتها للموضوع الذي نحن في صدد بحثه، نوردها بأكملها:
“المادة 8- النظام العام والأمن:
من أجل ضمان النظام العام والأمن الداخلي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع عزة، سينشئ المجلس قوة شرطة قوية، بينما ستستمر إسرائيل في الاضطلاع بمسؤولية الدفاع ضد التهديدات الخارجية، وكذلك بمسؤولية الأمن الإجمالي للإسرائيليين بغرض حماية أمنهم الداخلي والنظام العام”.
من الاطلاع على هذه المادة يظهر بشكل جلي، أن السلطات الأمنية التي منحت للسلطة، اقتصرت على “النظام العام والأمن الداخلي للفلسطينيين“. وعليه تقتصر مسؤوليتها على الأمن الداخلي الفلسطيني ولم تمتد إلى أمن الإسرائيليين أو أمن دولة إسرائيل. أكثر من ذلك. فقد أوضحت المادة أعلاه بشكل صريح وواضح، أن مسؤولية الأمن الإجمالي للإسرائيليين تبقى بيد إسرائيل وهي المسؤولة في هذا الشأن، كما أنها المسؤولة عن التهديدات الخارجية.
وعليه نرى، أنه لم يترتب على اتفاقية إعلان المبادئ أي التزام امني أو مسؤولية أمنية من قبل المنظمة لأمن دولة إسرائيل أو سلامة مواطنيها. وإذا لم يقم الالتزام في الاتفاقية، فلا يوجد إخلال بالتزام لم يقم أصلا.
ولكن من جهة أخرى، قد يكون الادعاء أن التزام المنظمة بحفظ الأمن الداخلي يترتب عليه ضمنا، التزام تجاه أمن إسرائيل، إذ أن هذه الأعمال العسكرية تخرج من داخل الأراضي الفلسطينية، التي تعهدت المنظمة بضمان الأمن والنظام فيها. قد يلقى هذا الادعاء التأييد في أوساط عديدة. إلا أن الاتفاقية تحدثت عن الأمن “الداخلي للفلسطينيين”، وهذه العمليات لم تتعرض للأمن الداخلي للفلسطينيين ولم تقع داخل الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنما وقعت داخل إسرائيل، أي خارج حدود ولاية السلطة الفلسطينية. ومن غير المعقول أن تكون المنظمة مسؤولة عن أمن دول إسرائيل، كما أن إسرائيل ذاتها لا تقبل بهذا الطرح.
أما بخصوص التزام المنظمة، بالرسائل المتبادلة بين الرئيس عرفات ورابين، بنبذ العنف، فحتى لو اعتبرناها جزءا من الاتفاقيات، فلا يترتب عليها إخلال من المنظمة، إذ كما رأينا لا يمكن أن تنسب أعمال الأفراد العاديين أو حركات التمرد إلى الدولة، إلا إذا ثبت انها تعمل لحساب الدولة. ولم يثبت هذا بالفعل في الحالة الفلسطينية، إذ يدور الحديث عن حركات مستقلة لها مؤسساتها وخيارها السياسي، وهي لا تخضع أو تنصاع إلى أوامر أو توجيهات المنظمة، وإنما لتوجيهات مؤسساتها المستقلة. وعليه من الصعب القول إنها تعمل لصالح المنظمة.
وعليه، لا نرى أنه ترتب على الأعمال العدائية التي وقعت، إخلال في اتفاقية المبادئ, عاديا كان أو جوهريا. وفقا لذلك، لم يكن بيد إسرائيل السبب أو الداعي لأبطال الاتفاقيات على هذا الأساس.
الاتفاقيات الأخرى
إلا أن الالتزامات الفلسطينية تبدلت وتوسعت في الاتفاقيات اللاحقة لاتفاقية إعلان المبادئ. فقد ترتب على التوقيع على اتفاقية غزة وأريحا أولا في تاريخ 4/5/1994 (فيما يلي: “أوسلو 1″) التزامات جديدة على المنظمة لم يرد ذكرها في اتفاقية إعلان المبادئ. فعلى الرغم من الإبقاء في اتفاقية أوسلو 1 على المادة 8 أعلاه من اتفاقية إعلان المبادئ[120]، والتي وفقا لها تكون مسؤولية السلطة على الأمن الداخلي للفلسطينيين، وتبقى سلطة أمن الإسرائيليين بيد إسرائيل، فقد ورد في الاتفاقية الجديدة التزامات جديدة تعهدت بها السلطة.
فهكذا على سبيل المثال تعهدت السلطة، تحت قيد احترام حرية التعبير، منع التحريض أو الدعاية العدائية ضد إسرائيل، وأن تتخذ الإجراءات القانونية ضد الأشخاص أو المجموعات التي تقوم بإعمال من هذا النوع، وتعهدت إسرائيل تعهدا مقابلا[121].
كما اتفق الأطراف على أقامة لجان أمنية مشتركة، للتنسيق والتعاون في المسائل الأمنية[122].
الالتزام المهم الإضافي، هو ذلك الذي ورد في المادة الخامسة عشرة (XV) من الاتفاقية. حيث تعهد الطرفان (السلطة وإسرائيل) باتخاذ كافة الإجراءات لمنع الأعمال الإرهابية، الأعمال الإجرامية، والأعمال العدائية ضد أي واحد منهم، أو ضد أشخاص يتواجدون تحت ولاية الطرف الآخر واتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد المخالفين[123]. وقد بين الملحق الأمني، ترتيبات مفصلة لتطبيق هذا الالتزام[124].
وقد تطورت هذه الالتزامات أيضا في الاتفاقية المعدلة للمرحلة الانتقالية التي وقعت في سبتمبر 1995 (قيما يلي: أوسلو 2). وتطورت أكثر بكثير بعد توقيع اتفاقية الخليل في شهر يناير 1997، التي وقعت بعد وقوع عمليات انتحارية عديدة في إسرائيل في سنة 1996. وتعهدت المنظمة في هذه الاتفاقية:
1) بتعزيز التنسيق الأمني. 2) منع التحريض والدعاية العدائية. 3) محاربة الحركات الإرهابية.
4) اعتقال ومحاكمة الإرهابيين. 5) تسليم المطلوبين الجنائيين إلى إسرائيل. 7) مصادرة السلاح غير الشرعي[125].
وعليه لا يمكن التنكر للحقيقة أن المنظمة، أخذت على عاتقها التزامات أمنية، في الاتفاقات اللاحقة لاتفاقية إعلان المبادئ[126]. وعليه، يبقى السؤال التالي، هل أخلت المنظمة بهذه الالتزامات الأمنية إخلالا جوهريا يجعل إسرائيل تقوم بإبطال المعاهدات أو إيقاف العمل فيها؟
أن مسألة التزام السلطة الوطنية بالتزاماتها الأمنية تختلف من مرحلة إلى مرحلة. ولكن يمكن القول بشكل عام، أن السلطة لم تخل بالتزاماتها إخلالا جوهريا يعطي إسرائيل الحق بإبطال الاتفاقيات أو إيقاف العمل بها.
فبعد التوقيع على اتفاقية عزة أريحا أولا، الأطراف كانوا يلتقون بشكل اعتيادي، وكان تعاون امني متواصل بينهم. وقد اعترف مسؤول في الشين بيت الإسرائيلي، بأن الفلسطينيين كانوا يقومون بواجبهم واستطاعوا إيقاف عدة عمليات انتحارية[127].
قمة التعاون الأمني كانت في سنة 1996، بعد سلسة من الأعمال الانتحارية داخل إسرائيل. في الأشهر فبراير ومارس من هذه السنة، أمر الرئيس عرفات بملاحقة مرتكبي العمليات، وقامت السلطة الفلسطينية باعتقال المئات من المسلحين الفلسطينيين[128].
إلا أنه، بعد هذه المرحلة بدأت الأمور تسلك مسلكا سلبيا، ليس على اُثر الإخلال الفلسطيني بالالتزامات، وإنما بسبب تغيرات داخل إسرائيل. حيث تم اغتيال رئيس الوزراء اسحاق رابين على أثر توقيعه على اتفاقيات السلام مع الفلسطينيين من قبل يهودي متطرف. واعتُبر هذا الحدث ضربة لعملية السلام، ومن بعده بدأت العملية السلمية تتراجع إلى الوراء. حيث تسلم بنيامين نتانياهو الحكم في اسرائيل. وكان الأخير قد صرح سابقا لناخبيه أنه سيعمل على ابطال اتفاقيات اوسلو. على الرغم من أنه لم يتخذ هذا الاجراء رسميا بعد اعتلائه الحكم، إلا انه عمل جاهدا على تقويض الاتفاقيات، والإخلال بمواعيدها. كما بدأ باتخاذ إجراءات أحادية الجانب في القدس الشرقية، مثل فتح نفق قرب الحرم القدسي الشريف، وبناء مستوطنة جديدة (هار حوما) في القدس الشرقية على أراضي جبل أبو غنيم. واعتبر ذلك إخلالا بالاتفاقيات، إذ أن مسألة القدس الشرقية تركت لمفاوضات الوضع الدائم. وعليه، فإن القيام بتغييرات على الأرض خلال الفترة الانتقالية، يعتبر إخلالا بالاتفاقية وبمبدأ حسن النية. وأدى ذلك إلى اندلاع احتجاجات عارمة في كافة المدن الفلسطينية.
ونتيجة لهذه الانتهاكات الجوهرية للاتفاقية، وبالذات بناء مستوطنة هار حوما، أعلنت السلطة الفلسطينية في شهر مارس 1997، تعليق التعاون الأمني بين الجانبين[129]. وعليه، كان تعليق التعاون في هذه المرحلة نتيجة إخلال الطرف الإسرائيلي بالتزاماته. وقد كان للسلطة الحق حسب اتفاقية فيينا بتعليق بعض التزاماتها حسب الاتفاقية نظرا للإخلال الإسرائيلي المستمر في الاتفاقية. فناهيك عن إقامة مستوطنات جديدة, استمرت الحكومة الإسرائيلية بالمماطلة في عملية السلام وتأجيل الخوض في مفاوضات الوضع الدائم. وحيث كان من المفروض انتهاء المرحلة الانتقالية في سنة 1999، فلم يتم ذلك. واندلعت بعد ذلك الانتفاضة الثانية، نتيجة الإحباط الشديد الذي كان يراود أبناء الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة.
وعليه يمكن أن نلخص ونقول: لم يقع إخلال جوهري بالاتفاقية بخصوص المسائل الأمنية، يمنح إسرائيل الحق لإبطالها أو تعليقها، وإنما حدث تدهور في الأوضاع نتيجة للتصرفات الإسرائيلية الأحادية الجانب والمخلة بالاتفاقية.
أما بالنسبة للادعاءات الأخرى بالإخلال من قبل إسرائيل، فهي الأخرى لا تعتبر سببا لإبطال الاتفاقيات أو تعليقها. فقد تم تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني منذ زمن طويل. أما بالنسبة لجمع السلاح غير الشرعي من المناطق، فإن ذلك ليس بالعملية السهلة، وإذ لم تستطع إسرائيل فعل ذلك خلال سنوات عديدة في الاحتلال، فلا يمكن التوقع من مؤسسة جديدة في طور النشوء حل هذا الموضوع على الفور. كما انه ليس من الواضح مدى شرعية هذا الالتزام حسب القانون الدولي[130]. أما بالنسبة للادعاء بزيادة عدد أفراد الشرطة، أكثر من العدد المحدد في الاتفاقيات، فلا نرى في ذلك إخلالا جوهريا. إذ أن هدف إقامة جهاز الشرطة أو توسيعه هو حفظ النظام والأمن العام، وهذا ما التزمت به المنظمة في الاتفاقيات. في كل حالة، فإن تجميد إسرائيل للمفاوضات، يحول دون إمكانية تعديل الاتفاقيات، بمقتضيات التطورات أو الضرورة الفلسطينية.
وعليه، لا تشكل الادعاءات الإسرائيلية، إخلالا جوهريا بالاتفاقيات من الطرف الفلسطيني، من أجل إبطالها وتعليق العمل بها.
في كل حالة، وحتى لو ثبت وجود هذه الخروق، فإن إسرائيل لم تتخذ الإجراءات القانونية حسب معاهدة فيينا من أجل إبطال الاتفاقية أو تعليقها. كما أنها لم تتخذ الإجراءات اللازمة في قانونها الداخلي من أجل أبطال المعاهدات. فكما هو معروف، فقد صادق البرلمان الإسرائيلي في حينها على المعاهدات المختلفة، وأعطاها صبغة القانون[131]. ولا زالت هذه القوانين نافذة إلى الآن، ولم يتم إلغائها إلى الآن.
من جهة أخرى، وعلى الرغم من ذلك، تقوم إسرائيل بتعليق العمل وفق الاتفاقيات، دون أي أساس شرعي، ضمنيا كان أو إجرائيا. وعليه يعتبر تصرف إسرائيل هذا، إخلالا صارخا بالاتفاقيات، ومخالفة لمبدأ إلزامية المعاهدات. وتنعقد على تصرفها المذكور المسؤولية الدولية، نتيجة خرقها للاتفاقيات. كما يعتبر ذلك إخلالا بقانونها الداخلي أيضا.
خاتمة
تطرقنا في بحثنا هذا إلى عدة مسائل وحاولنا الإجابة عنها. المسألة الأولى التي تعرضنا إليها، كانت، مدى قانونية الاتفاقيات، وهل هي معاهدات دولية ملزمة. وتوصلنا من خلال تحليلنا أعلاه، إلى أن اتفاقيات أوسلو هي معاهدات دولية ملزمة. وأما الأساس القانوني في ذلك، فوجدنا أنه يمكن اعتبارها معاهدات بين “دول”، هذا من جهة واحدة،. ويمكن اعتبارها معاهدة بين دولة وبين حركة تحرير أو منظمة معترف بها دوليا- م.ت.ف.، من جهة أخرى. كما وأثبتنا خطأ الإدعاءات القائلة ببطلان المعاهدات من الأساس، بسبب تعارضها مع قواعد آمرة. وعليه، فقد كانت النتيجة الأساسية في القسم الأول من البحث، أن أمامنا معاهدات نافذة وملزمة لأطرافها.
بعد أن توصلنا إلى النتيجة أعلاه، تطرقنا إلى المسألة الثانية في البحث، وهي، فيما إذا كان يحق لإسرائيل أبطال المعاهدات أو تعليقها، بناءً على إدعاءين مختلفين. الادعاء الأول، ادعاء تغير الظروف. والادعاء الثاني، ادعاء الإخلال بالاتفاقية من قبل الجانب الفلسطيني. وقد أثبتنا، بعد تحليل الفقه والقانون، أن إسرائيل لا تستطيع الاعتماد على نظرية تغير الظروف من أجل التنصل من الاتفاقية، إذ أن تلك النظرية لا تنطبق على الحالة الفلسطينية.
كما وتعرضنا للادعاءات بالإخلال بالاتفاقية من قبل الفلسطينيي وتوصلنا إلى النتيجة، أنه ليس بتصرفات الفلسطينيين ما هو بمثابة إخلال جوهري بالاتفاقيات، يمنح الجانب الإسرائيلي الحق لإبطالها أو تعليقها. كما أوضحنا، أن المنظمة غير مسؤولة عن الأعمال العدائية الصادرة عن أفراد عاديين، أو عن حركات أخرى على الساحة الفلسطينية.
وإننا بتوصلنا إلى هذه النتائج، نرى أن اتفاقيات أوسلو ما زالت قائمة وسارية المفعول. وحيث أن هذا هو الوضع القانوني للاتفاقيات، فإن النهج الحالي لإسرائيل بتعليق الاتفاقيات وإيقاف العمل وفقا لها، يُعدّ خرقا واضحًا للاتفاقيات، تترتب علية المسؤولية الدولية. كما وتترتب عليه حقوق مختلفة للمنظمة وفق اتفاقية فيينا، بإبطال الاتفاقيات أو تعليق بعض أحكامها.
المحامي غياث ناصر
القدس، الثالث والعشرون من مايو، 2007.
قائمة المراجع
أ) مصادر أولية– معاهدات وقرارات دولية:
– Agreement on the Gaza Strip and the Jericho Area, Cairo, May 4, 1994, art. VI, para. 2(a), reprinted in 33 I.L.M., 622 (1994), and in 7 Palestine Y.B. Int’l L. 243 (1992-94).
– Charter of the United Nations, 1945.
– G.A. Res. 3236, U.N. GOAR, 29th Sess., Supp. No. 31 at 4, U.N Doc. A/9631 (1974).
U.N. SCOR, 44th Sess., 2841st mtg., U.N. Doc. S/PV. 2841 (1989).
– The Israeli –Palestinian Interim Agreement on the WEST BANK and the GAZA STRIP, Washington, D.C. September 28, 1995.
– Oslo Declaration of Principles on Interim Self-Government Arrangements, 13 Sep. 1993.
– The Montevideo Convention on the Rights and Duties of States, treaty signed at Montevideo, Uruguay on December 26, 1933, at the Seventh International Conference of American States.
– Security Council, Provisional Rules of Procedure, Rule 14, U. N. Doc. S/96/Rev. 4 (1946).
– Vienna Convention on The law of Treaties, 23 may 1969, UN Doc. A/CONF. 39/27.
ب) مصادر ثانوية
1) كتب باللغة العربية:
– إبراهيم،علي، الوسيط في المعاهدات الدولية، (دار النهضة العربية، القاهرة، 1995).
– ابو الهيف، علي صادق ، القانون الدولي العام، (ط- 17، منشأة المعارف، الأسكندرية، 1992).
– الجندي، غسان، قانون المعاهدات الدولية، (عمان، 1988).
– حسين، مصطفى سلامه، القانون الدولي العام، (دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 1994).
– سلطان، حامد، القانون الدولي العام في وقت السلم، (القاهرة، 1962).
– علوان، عبد الكريم، الوسيط في القانون الدولي العام (مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 1997).
– علوان، محمد يوسف، القانون الدولي العام (المقدمة والمصادر)، (عمان، 1996).
2) كتب باللغة العبرية:
– روبي سيبل، القانون الدولي، (القدس، 2003) (باللغة العبرية).
3) كتب ومقالات باللغة الانجليزية:
– Benvenisti, Eyal, “The Israeli-Palestinian Declaration of Principles: A Frame Work for Future Settlement” (1993) Eur. J. Int’l L. 542.
– Beres, Louis Rene, “Why the Oslo Accords Should be Abrogated by Israel” (1997) 12 Am. U. J. Int’l L. & pol’y 267.
– Beres, Louis Rene, “Israel After Fifty: The Oslo Agreements, International Law, and National Survival” (1999) 14 Conn. J. Int’l L. 27.
– Boyle, Francis A., “The Creation of State of Palestine” (1990) 1 Euro. J. Int’l L. 301.
– Cassesse, Antonio , International Law in a Divided Word (1986).
– Crawford, Jemes, The Creation of states in International law (1979).
– Danilenko, Gennady M., “International Jus Cogens”, (1991) 2 Eur. J. int’l L. 42.
– Jefferson, Thomas, “Opinion on the French Treaties”, in Merrill D. Peterson (ed.), Thomas Jefferson: Writings (NY: Viking Press, New York, 1984) 423.
– Kittrie, Orde F., “More Process Than Peace: Legitimacy, Compliance, and the Oslo Accords” (2003) 101 Michigan Law review 1661.
– Lustick, Ian S., “Ending Protracted Conflicts: The Oslo Peace Process Between Partnership and Legality” (1997) 30 Cornell Int’l L.J 741.
– Quigley, John, “The Israeli-PLO Interim Agreements: Are they treaties”, (1997) 30 Cornell Int’l L.J. 717.
– Quigley, John, “The Oslo Accords: More Than Israel Deserves”, (1997) 12 Am. U. J. Int’l L. & pol’y 285.
– Shaw, Malcolm .N., International Law (Cambridge: Grotius Publications,1991).
– Sztucki, Jerzy, Jus Cogens and the Vienna Convention on the Law of Treaties (Springer-Virlag, New York, 1974).
– Watson, Geoffrey R., The Oslo Accords, International Law and the Israeli-Palestinian Peace Agreements (Oxford University Press, 2000).
– Weiss, Jeffrey, “Terminating the Israeli-PLO Declaration of Principles: Is It Legal Under International Law” (1995) 18 Loy. L. A. Int’l; & Comp. L. J. 109.
– Whitbeck John V., “Israeli Security Requires a Palestinian State”, Middle East Int’l, 25 Oxt. 1996. cited in Watson, at 86.
– Wilson, H., International Law and the Use of Force by National Liberation Movements (1988).
– Wilson, George Grafton, “Treaties and Changing Conditions” (1935) 29 American Journal of International Law 307.
– Wright, Quincy, “The Termination and Suspension of Treaties” (1967) 61 American Journal of International Law 1000.
4) قرارات محاكم:
– I.C.J. FEDERAL REPUBLIC OF GERMANY v. ICELAND (FISHERIES JURISDICTION CASE) 2 February, 1973, at 65.
– C.P.J.I Arret du 28 June 1937, series A/B no. 70, p. 50”.
[1] Vienna Convention on The law of Treaties, 23 may 1969, UN Doc. A/CONF. 39/27.
[2] Geoffrey R. Watson, The Oslo Accords, International Law and the Israeli-Palestinian Peace Agreements (Oxford University Press, 2000) (hereinafter: “Watson”) 57: “many regards the Convention as un authoritative codification of customary law”.
[3] معاهدة فيينا ، ملاحظة 1 أعلاه، المادة 1.
[4] معاهدة فيينا ، ملاحظة 1 أعلاه، المادة 2.
[5] معاهدة فيينا ، ملاحظة 1 أعلاه، المادة 3.
[6] انظر أيضا، رسالة الرئيس ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، لإسحاق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي من تاريخ 9/9/1993 حيث جاء فيها أن: “م.ت.ف. تعترف بحق دولة إسرائيل في البقاء بسلام وأمن”. أنظر ايضا Watson ملاحظة 2 أعلاه، ص. 60.
[7] The Montevideo Convention on the Rights and Duties of States, treaty signed at Montevideo, Uruguay on December 26, 1933, at the Seventh International Conference of American States.
[8] عبد الكريم علوان، الوسيط في القانون الدولي العام (مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 1997) 124.
[9] علوان اعلاه، ص. 125.
[10] الفلسطينيون الذين يسكنون كأقلية داخل إسرائيل، ليسوا موضوع هذا البحث.
[11] Watson, supra note 2, p. 61-62.
[12] Ibid.
[13] Malcolm .N. Shaw, International Law (Cambridge: Grotius Publications,1991), 142. see also: Jemes Crawford, The Creation of states in International law (1979) 46.
[14] Watson, supra note 2, p. 62
[15] John Quigley, “The Israeli-PLO Interim Agreements: Are they treaties”, (1997) 30 Cornell Int’l L.J. 717 (Hereinafter: “Quigley”) at 724.
[16] Francis A. Boyle, “The Creation of State of Palestine” (1990) 1 Euro. J. Int’l L. 301, 302.
[17] الكاتب Watson ملاحظة 2 أعلاه، ما زال لا يوافق على تحقق هذا العنصر أيضا في المراحل المتقدمة من الاتفاقيات، بسبب القيود التي وضعت على السلطة الفلسطينية في ممارسة صلاحيتها في اتفاقيات اوسلو. إلا أن هذا الرأي يصطدم مع رأي فقهاء آخرين في القانون الدولي الذين يرون انه قد تم التخفيف من شدة المطالبة بالسيطرة، ولا تعني السيطرة المطلوبة عند نشوء الدولة، السيطرة المحكمة كأي دولة أخرى.
[18] G.A. Res. 3236, U.N. GOAR, 29th Sess., Supp. No. 31 at 4, U.N Doc. A/9631 (1974).
[19]Ibid.
[20] U.N. SCOR, 44th Sess., 2841st mtg., U.N. Doc. S/PV. 2841 (1989).
[21] Security Council, Provisional Rules of Procedure, Rule 14, U. N. Doc. S/96/Rev. 4 (1946).
[22] Quigley, Supra note 15, at 725.
[23] Watson supra note 2 , at 62.
[24] Agreement on the Gaza Strip and the Jericho Area, Cairo, May 4, 1994, art. VI, para. 2(a), reprinted in 33 I.L.M., 622 (1994), and in 7 Palestine Y.B. Int’l L. 243 (1992-94). An identical provision appears in the Interim Agreement on the West Bank and Gaza Strip (art. IX, para 5). The Interim Agreement superseded the Agreement on the Gaza Strip and the Jericho Area.
[25] Watson supra note 2 , at 61.
[26] Ibid.
[27] Quigley, supra note 15, at 725-726. See also: Antonio Cassesse , International Law in a Divided Word (1986) 78. See also James Crawford, The Creation of States in International Law (1979) 46.
[28] Ibid.
[29] Ibid at: 727: “Whether or not Palestine is a state is not a question for Israel to decide. That determination turns on objective criteria, with recognition by states providing significant evidence as to whether these criteria are met. The answer to this question of fact turns on the role an entity plays in the international community. Applying these criteria, Palestine has a plausible claim to statehood because it controls territory and has the capacity to engage in international relations”.
[30] Ibid at 729.
[31] Watson Supra note 2, at 92.
[32] علي أبراهيم، الوسيط في المعاهدات الدولية، (دار النهضة العربية، القاهرة، 1995) (فيما يلي: “ابراهيم“) ص. 449.
[33] المصدر نفسه.
[34] المصدر نفسه.
[35] Quigley supra note 15, at 730.
[36] إبراهيم، ملاحظة 32 أعلاه، ص. 53.
[37] المصدر نفسه، ص. 55.
[38] المصدر نفسه ص. 56.
[39] Ibid at 732.
[40] H. Wilson, International Law and the Use of Force by National Liberation Movements (1988) 117-23. see also Quigley, supra note 15, at 733. see also: Antonio Cassese, International Law in a Divided World (1986) at 91: (“[National liberation movements] are given international status on account of their political goals: their struggle to free themselves from colonial domination, a racist regime or alien occupation.”).
[41] Quigley supra note 15, at 734.
[42] Ibid at 736.
[43] Ibid.
[44] Watson, supra note 2, at 91-101.
[45] Eyal Benvenisti, “The Israeli-Palestinian Declaration of Principles: A Frame Work for Future Settlement” (1993) Eur. J. Int’l L. 542; 544-5.
[46] Quigley, supra note 15, ate 740, continue: “First, it represents the population of territory under belligerent occupation, giving it a strong claim to present sovereignty, despite the control exercised by Israel as a belligerent occupant. Second, the PLO has a claim to being a state on the basis of its control of Gaza and parts of the West Bank. Third, the PLO represents the Palestinian people, a people bearing a right to self-determination, and this status makes it a subject of international law, even if not a state”.
[47] ابراهيم،ملاحظة 32 أعلاه، ص. 727-729: “البطلان النسبي” هو الذي يترتب على مخالفة شروط صحة المعاهدة الدولية ويجيز للدولة أو المنظمة الدولية اثارته كعيب من عيوب الأرادة مبطلا للمعاهدة”. والبطلان في هذه الحالات يتصل بمصلحة خاصة في الدولة، لا بمصلحة دولية عامة. وتستطيع الدول التمسك في العيب المذكور لإبطال المعاهدة، كما تستطيع التغاضي عن حقها. بخلاف ذلك فإن “البطلان المطلق جزاء يصيب التصرف القانوني المشوب بعيب الإكراه أو التعارض مع النظام العام فيعدم آثاره من لحظة ابرامه” (ابراهيم أعلاه، ص. 742). وتعتبر المعاهدة في هذه الحالة باطلة من لحظة إبرامها، ولا تشكل قاعدة نافذة أو قانونا ساريا بين أطرافها.
[48] انظر ابراهيم ملاحظة 32 أعلاه، ص. 743.
[49] القواعد الآمرة في القانون الدولي تقابلها وتشبها بشكل كبير في القانون الداخلي – القواعد الدستورية. فليس كل قاعدة قانونية ترقى لأن تدرج في دستور الدولة. القواعد التي تدرج في الدستور هي القواعد والقيم الأساسية, والتي ترغب الأمة في صيانتها بشكل خاص وإعطائها مكانة أعلى من القواعد العادية. وعليه لا تستطيع القوانين او القواعد العادية مخالفتها، وتؤدي المخالفة إلى بطلان القاعدة المخالفة. هكذا هو الأمر في القانون الدولي، حيث تعتبر القواعد الآمرة بمثابة قواعد دستورية عليا، لا تستطيع القواعد العادية التي تنشأ بواسطة المعاهدات مخالفتها.
[50] Watson, supra note 2, at 84.
[51] Jerzy Sztucki, Jus Cogens and the Vienna Convention on the Law of Treaties (Springer-Virlag, New York, 1974). See also Gennady M. Danilenko, “International Jus Cogens”, (1991) 2 Eur. J. int’l L. 42, 65.
[52] Watson, supra note 2, at 84.
[53] جاء في المادة 1 من ميثاق الأمم المتحدة، أن:
“مقاصـد الأمـم المتحدة هي: 1….2. إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام”.
[54] المادة 1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بقرار الجمعية العامة 2200 (ألف) المؤرخ في كانون الأول/ ديسمبر 1966. وجاء في المادة 1 المذكورة:
“1- لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
2- لجميع الشعوب، سعيا وراء أهدافها الخاصة، التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية دونما إخلال بأية التزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة وعن القانون الدولي. ولا يجوز في أية حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة.
3- على الدول الأطراف في هذا العهد، بما فيها الدول التي تقع على عاتقها مسؤولية إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم المشمولة بالوصاية، أن تعمل على تحقيق حق تقرير المصير وأن تحترم هذا الحق، وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة”.
[55] انظر عرض Watson لوجهة النظر المذكورة، ملاحظة 2 أعلاه، ص. 85.
[56] Watson, supra note 2, at 85: “There is unfortunately some reason to doubt that this right has involved into jus cogens, which requires that the norm be ‘accepted and recognized’ by the international community ‘as a whole’. Many states continue to disregard the right of self-determination in practice, and even Human Rights Committee seems reluctant to enforce it”.
[57] Ibid at 86: “Assuming that self-defense, self-preservation, and self-determination are all jus cogens norms, it would again appear that the Oslo Accords comply with these norms”.
[58] Louis Rene Beres, “Why the Oslo Accords Should be Abrogated by Israel” (1997) 12 Am. U. J. Int’l L. & pol’y 267 (hereinafter: “Beres”) at 268-272.
[59] Thomas Jefferson, “Opinion on the French Treaties”, in Merrill D. Peterson (ed.), Thomas Jefferson: Writings (NY: Viking Press, New York, 1984) 423. see also Watson. Supra note 2, at 85-86.
[60] Watson, supra note 2, at 86.
[61] John V. Whitbeck, “Israeli Security Requires a Palestinian State”, Middle East Int’l, 25 Oct. 1996. cited in Watson, at 86.
[62] John Quigley, “The Oslo Accords: More Than Israel Deserves”, (1997) 12 Am. U. J. Int’l L. & pol’y 285 (hereinafter: “Quigley II”) at 290-297.
[63] المادة 5(ب) من اتفاقية إعلان المبادئ.
[64] يذكر انه تم تصحيح هذا الأمر حيث تم تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني.
[65] للاطلاع على ادعاءات الإسرائيليين، انظر:
Jeffrey Weiss, “Terminating the Israeli-PLO Declaration of Principles: Is It Legal Under International Law” (1995) 18 Loy. L. A. Int’l; & Comp. L. J. 109 (Hereinafter: “Weiss”) at 121-124.
[66] غسان الجندي، قانون المعاهدات الدولية، (عمان، 1988) ص. 210.
[67] حامد سلطان، القانون الدولي العام في وقت السلم، (القاهرة، 1962) ص. 273.
[68] المصدر نفسه، ص. 274.
[69] المصدر نفسه، ص. 274.
[70] المصدر نفسه، ص. 274.
[71] المصدر نفسه، ص. 275.
[72] المصدر نفسه، ص. 277.
[73] المصدر نفسه، ص. 277.
[74] المصدر نفسه، ص. 277.
[75] المصدر نفسه، ص. 278.
[76] المصدر نفسه، ص. 278.
[77] المادة، 62 من اتفاقية فيينا لسنة 1969، ملاحظة 1 أعلاه.
[78] I.C.J. FEDERAL REPUBLIC OF GERMANY v. ICELAND (FISHERIES JURISDICTION CASE) 2 February, 1973, at 65.
[79] حسب المادة 65، “في حالات الاستعجال القصوى” يمكن الانتظار مدة تقل عن ذلك.
[80] المادة 66 من اتفاقية فيينا، ملاحظة 1 أعلاه.
[81] الجندي، ملاحظة 66 أعلاه، ص. 211.
[82] انظر قرار المحكمة، الملاحظة 72 أعلاه.
[83] Beres, supra note 58, at 272-273: “Apart from such expectations, however, Israel has substantial rights of abrogation. These rights derive from the doctrine of Rebus sic stantibus. [FN23] Defined literally as ‘So long as conditions remain the same,’ [FN24] this doctrine of changed circumstances now augments Israel’s obligations to cease compliance with Oslo. Under this doctrine, Israel’s traditional obligations to the Accords ended promptly when a fundamental change occurred in those circumstances, existing at the effective dates of the accords, which formed a tacit condition of the Accord’s ongoing validity. [FN25] “
[84] Ibid at 272-273: “This change, of course, involved multiple material breaches by the PLO, [FN26] especially those concerning control of anti-Israel terrorism and extradition of terrorists. In short, because of the profound changes created by the PLO in the very circumstances that formed the cause, motive and rationale for consent, Rebus sic stantibus warrants Israeli abrogation of the Accords”.
[85] Weiss, supra note 65, at 138: “2. Fundamental Change of Circumstances
The Vienna Convention also permits termination based on a fundamental change of circumstances, formerly known as the doctrine of rebus sic stantibus. [FN142] The Convention defines a fundamental change of circumstances as follows:
1. A fundamental change of circumstances which has occurred with regard to those existing at the time of the conclusion of a treaty, and which was not foreseen by the parties, may not be invoked as a ground for terminating or withdrawing from the treaty unless:
(a) the existence of those circumstances constituted an essential basis of the consent of the parties to be bound by the treaty; and
(b) the effect of the change is radically to transform the extent of obligations still to be performed under the treaty. [FN143]
Under this definition, a “fundamental change of circumstances” probably means something more than mere noncompliance with an agreement. Therefore, PLO breaches of the DOP alone could not themselves support a legal termination. [FN144] Moreover, a termination based on a fundamental change of circumstances could not, by definition, turn on conditions known to Israeli government leaders at the time the parties signed the agreement.
[86] Ibid.
[87] Quigley II, supra note 62, at 294: “One aspect of the doctrine is clear. The doctrine relates to changes in the factual context, not to acts by one of the parties. [FN57] Thus, the doctrine has no applicability in the situation posited by Professor Beres, namely, breaches by the P.L.O.”.
[88] المدة 1 من اتفاقية المبادئ.
[89] في رسالة رئيس الوزراء رابين للرئيس عرفات، اعترف رابين بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، وبهذا مهد الطريق للتوقيع على الاتفاقية معها.
[90] ويعتبر ذلك استثناء لقاعدة تغير الظروف. وفعلا يمكن اعتبار المعاهدة، لمعاهدة منشأة لحدود. حيث منحت السلطة الفلسطينية وفقا للمادة 4 من اتفاقية إعلان المبادئ ولاية على الضفة الغربية وقطاع غزة. كما اعتبر الطرفان الضفة الغربية وقطاع غزة وحدة جغرافية واحدة يجب الحفاظ على وحدتها وسلامتها خلال الفترة الانتقالية (المادة 4). ومنحت السلطة صلاحيات على مناطق مختلفة من الضفة، حددت بخرائط أرفقت بالاتفاقيات. كما تعهد الأطراف على نقاش مسائل أخرى خلال مفاوضات الوضع الدائم، منها مسألة الحدود. وعليه، يمكن اعتبار الاتفاقية، كاتفاقية منشأة لحدود مؤقتة، سيتم توسيعها في وقت لاحق. وعليه لا يمكن المساس بالحدود المؤقتة للسلطة الفلسطينية حسب الاتفاقيات القائمة.
[91] Watson, Supra note 2, at 88: “One or Two commentators have advanced a final argument against the validity of Oslo Accords: the claim that changed circumstances have undermined their original premises, and thus that one or the other party is entitled to terminate them. This claim is unfounded”.
[92] Ibid at 89.
[93] حسب المادة 26 من اتفاقية فييتا، “العقد شريعة المتعاقدين”- تكون “كل معاهدة نافذة تكون ملزمة لأطرافها وعليهم تنفيذها بحسن نية”. كما ورد مبدأ حسن النية في المادة 2(2) من ميثاق الأمم المتحدة: “لكي يكفل أعضاء الهيئة لأنفسهم جميعا الحقوق والمزايا التي المترتبة على صفة العضوية يقومون في حسن نية بالالتزامات التي أخذوها على عاتقهم”.
[94]روبي سيبل، القانون الدولي، (القدس، 2003) (باللغو العبيرية) ص. 364.
[95] المصدر نفسه. يوجه إلى تقرير لجنة القانون الدولي: YBILC 1966, Vol. II, pp. 253-255.
[96] المصدر نفسه.
[97] محمد يوسف علوان، القانون الدولي العام (المقدمة والمصادر)، (عمان، 1996) ص. 346-347.
[98] المصدر نفسه.
[99] مصطفى سلامه حسين، القانون الدولي العام، (دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 1994) ص. 124.
[100] الجندي، أعلاه، ص. 193..
[101] Ibid, footnote 401: “C.P.J.I Arret du 28 June 1937, series A/B no. 70, p. 50”
[102] المصدر نفسه.
[103] المصدر نفسه، ص. 195.
[104] لمصدر نفسه، ص. 195.
[105] Wiess, supra note 65, at 136: “1. Material Breach: The Vienna Convention defines a material breach as a “repudiation of the treaty not sanctioned by the … Convention,” or “the violation of a provision essential to the accomplishment of the object or purpose of the treaty.” [FN133] Under that meaning, the PLO to date has breached a number of its obligations under the DOP. These include: failure to amend the PLO’s Charter; failure to act to prevent violence against Israelis; arming of nonauthorized forces; failure to enforce prohibitions against unauthorized possession of weapons; failure to refrain from hostile propaganda against Israel; and unilateral enactment of legislation within the autonomous regions”.
[106] Ibid at 136-137: “PLO violations of the DOP are material within the meaning of the Vienna Convention: that is, they are violations of “provision[s] essential to the accomplishment of the object or purpose” of the agreement. [FN135] At its most basic level, the parties intended *137 the DOP to promote peaceful relations between Palestinians and Israelis. [FN136] PLO violations of DOP provisions relating to Israelis’ security impede Israel’s attempts to fulfill the agreement’s most basic purpose: ending civil bloodshed. [FN137] Because the PLO has materially violated the DOP, the Vienna Convention sanctions Israeli withdrawal of consent under the DOP. [FN138]”
[107] See, e.g., Rabin letter to Arafat, Ibid at 137, footnote no. 136 :(“[T]his government decided to put an end to the terror and war, to try to build a new world in the state, at home, in the family which did not know even one year or one month of its life in which mothers did not cry for their sons”). See also DOP. According to the Preamble of the DOP: “The Government of the State of Israel and the PLO team … agree that it is time to put an end to decades of confrontation and conflict, recognize their mutual and legitimate political rights, and strive to live in peaceful coexistence and mutual dignity and security and achieve a just, lasting and comprehensive peace settlement and historic reconciliation through the agreed political process”.
[108] Ibid at 137: “Even for treaties governed by the Vienna Convention, international law sustains rights of reprisal for violations, even for those lesser offenses deemed insufficiently material to justify termination. [FN139] In exercising those rights, the aggrieved party may suspend its obligations under the agreement or take proportionate measures against the offending party [FN140]”.
[109] Ibid at 137-138: “ The late Prime Minister Rabin’s legal advisers favored this approach. They are reported as believing that sanctions like closing off the autonomous areas and canceling safe passage from Gaza to Jericho constitute appropriate Israeli responses to “relatively minor violations” of the DOP. [FN141]”. In footnote 141 above the writer rely on the statements of Joel Singer, that “Israel has the right to respond with a violation for each violation”.
[110] Ibid at 138: “while the PLO violations of the DOP are irrelevant to the doctrine of fundamental change of circumstances, that doctrine still me provide a basis for an Israeli termination of the agreement. The PLO, in negotiating the DOP, acted as the “representative” of the Palestinian people. An apparent erosion of popular support for the PLO, however combined with the organization’s inability to control Hamas or other rejectionist groups, raises questions whether the PLO still “represents” the Palestinians. PLO representation of Palestinians appears to have constituted “an essential basis of consent of the parties to be bound to the treaty”. Thus. Its absence could lay the groundwork for the agreement’s termination”.
[111] Watson. Supra note 2, at 89.
[112] هنالك ادعاء ايضا، أن التفاهم مع المنظمة كان بعد أن أيقنت إسرائيل أنها لا تستطيع التوصل إلى تفاهم مع الحركات الأخرى.
[113] ولغرض هذا القسم من البحث نحن نفرض وجود دولة فلسطينية مكونة من منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، تتحمل المسؤولية الدولية حسب القانون الدولي. على الرغم من الخلاف القائم في بين الفقهاء في مسألة وجود أو عدم وجود دولة فلسطينية.
[114] صلاح الدين عامر، مقدمة لدراسة القانون الدولي العام، (دار النهضة العربية، القاهرة، 2003) ص. 794 :وقد عبرت عن هذا المبدأ الفقرة الأولى من المادة 11 من مشروع لجنة القانون الدولي عن هذا المبدأ بوضوح عندما قررت: -“لا يعتبر فعلا صادرا عن الدولة بمقتضى القانون الدولي تصر شخص أو مجموعة أشخاص لا يعملون في تصرفهم لحساب هذه الدولة”.
[115] إذ يمكن الادعاء أن هذه الأعمال نفذت لحساب السلطة أو المنظمة. وفي حال ذلك تقع المسؤولية الدولية على هذه الأعمال. ولكن هذا الأمر يحتاج إلى إثبات ايضا، إذ من غير الواضح مدى علاقة هذه الحركات بالسلطة الفلسطينية. وفي حال ثبت أن هذه الأعمال نفذت لحساب الدولة أو بتوجيه مباشر منها، تقع المسؤولية الدولية، حيث نصت الفقرة الثانية من المادة 11 من مشروع لجنة القانون الدولي أن “2- لا تخل الفقرة الأولى بتحميل الدولة اي تصرف آخر يكون متصلا بتصرفات الأشخاص أو مجموعات الأشخاص المشار إليهم فيها، ويكون من الواجب اعتباره فعلا صادرا عن الدولة بموجب المواد 5 إلى 10” (المصدر نفسه أعلاه).
[116] عامر، الملاحظة 114 أعلاه، ص. 794.
[117] المصدر نفسه. ص. 795.
[118] المصدر نفسه. ص. 795.
[119] المصدر نفسه، ص. 792.
[120] المادة رقم X من اتفاقية غزة أريحا أولا.
[121] المادة رقم XXII من اتفاقية غزة أريحا أولا.
[122] المادة رقم XII من اتفاقية غزة أريحا أولا.
[123] المادة رقم XV من اتفاقية غزة أريحا أولا.
[124] الملحق الأمني، الملحق I من الاتفاقية.
[125] انظر Watson، ملاحظة 2 أعلاه، ص. 211.
[126] عن الالتزامات الأمنية للسلطة الفلسطينية، انظر Watson، ملاحظة 2 أعلاه، ص. 211-236.
[127] انظر Watson، ملاحظة 2 أعلاه، ص. 212.
[128] انظر Watson، ملاحظة 2 أعلاه، ص. 213.
[129] انظر Watson، ملاحظة 2 أعلاه، ص. 213.
[130] إذ انه حسب القانون الدولي تستطيع حركات مقاومة الاحتلال أو التحرر حيازة السلاح واستعماله ضد الأهداف العسكرية لكي تحقق حق شعبها في تقرير المصير. وعليه، قد يتعارض هذا الالتزام مع قاعدة آمرة من قواعد القانون، وهي قاعدة حق تقرير المصير. فمن غير المنطقي الاعتراف لشعب بهذا الحق من جهة واحدة، وحرمانه الوسائل الشرعية لتحقيق هذا الحق، من جهة أخرى.
[131] قانون تطبيق الاتفاق بخصوص قطاع غزة وأريحا (صلاحيات قضائية واحكام أخري) لسنة 1994. وأيضا: قانون تطبيق الاتفاق بشِأن نقل الصلاحيات للسلطة الفلسطينية (تعديلات وأحكام أخرى) لسنة 1995.